للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوْلادِهما، وفى الأعْمامِ وأوْلَادِهِم، كالحُكْمِ فيهما سَواءٌ. فإن انْقَرَضَ العَصَبَةُ من النَّسَبِ فالْمَوْلَى الْمُنعِم، ثم أقْرَبُ عَصَبَاتِه، ثم الرِّجالُ (٣) من ذَوِى أرْحَامِه، الأقْربُ فالأقْرَبُ، ثم الأجانِبُ.

فصل: فإن اسْتَوَى وَلِيَّانِ في دَرَجَةٍ واحِدَةٍ، فأوْلاهُما أحَقُّهُما بالإِمامَةِ في المَكْتُوباتِ؛ لِعُمُومِ قولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَؤُمُ القَوْمَ أَقرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ" (٤). قال القاضي: ويَحْتَمِلُ أن يُقَدَّمَ له الأسَنُّ؛ لأنَّه أَقْرَبُ إلى إجابَةِ الدُّعاءِ، وأعْظَمُ عندَ اللهِ قَدْرًا. وهذا ظاهِرُ مذهبِ الشَّافِعِيِّ. والأوَّلُ أوْلَى، وفَضِيلَةُ السِّنِّ مُعارَضةٌ بِفَضِيلَةِ العِلْمِ، وقد رَجَّحَها الشَّارِعُ في سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، مع أنَّه يُقْصَدُ فيها إجابَةُ الدُّعاء، والحظُّ لِلْمَأْمُومِينَ، وقد رُوِىَ عنه عليه السَّلَامُ، أنَّه قال: "أَئِمَّتُكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ" (٥). ولا نُسَلِّمُ أنَّ الأسَنَّ الجاهِلَ أَعْظَمُ قَدْرًا من العَالِمِ، ولا أقْرَبُ إجابَةً، فإن اسْتَوَوْا وتَشَاحُّوا، أُقْرِعَ بَيْنَهم، كما في سائِرِ الصَّلَوَاتِ.

فصل: ومَن قَدَّمَهُ الوَلِيُّ فهو بِمَنْزِلَتِه؛ لأنَّها وِلَايَةٌ تَثْبُتُ له، فكانتْ له الاسْتِنَابةُ فيها، ويُقَدَّمُ نائبُه فيها على غيرِه، كوِلايَةَ النِّكَاحِ.

فصل: والحَرُّ البَعِيدُ أوْلَى من العَبْدِ القَرِيبِ؛ لأنَّ العَبْدَ لا وِلايَةَ له، ولهذا لا يَلِى في النِّكاحِ ولا المالِ. فإن اجْتَمَعَ صَبِيٌّ ومَمْلُوكٌ ونِساءٌ، فالمَمْلُوكُ أوْلَى؛ لأنَّه تَصِحُّ إمامَتُه بهما. فإنْ لم يكنْ إلَّا نِسَاءٌ وصِبْيَانٌ، فقِياسُ المذهبِ أنَّه لا يَصِحُّ أنْ يَؤُمَّ أحَدُ الجِنْسَيْنِ الآخَرَ، ويُصَلِّى كلُّ نَوْعٍ لأنْفُسِهم وإمَامُهم منهم، ويُصَلِّى النِّسَاءُ جَمَاعَةً إمَامَتُهنَّ في وَسَطِهنَّ. نَصَّ عليه أحمدُ، وبه قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافِعِيُّ:


(٣) في أ، م: "الرجل".
(٤) تقدم تخريجه في صفحة ١٢.
(٥) ذكره القرطبي في تفسيره ١/ ٢٧٠، ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>