للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُفَارِقُ الاسْتِثْناءَ؛ فإنَّ الاسْتِثْناءَ مع المُسْتَثْنَى منه عِبَارَةٌ عن البَاقِى من المُسْتَثْنَى منه، فقولُ اللهِ تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (٩). عِبَارَة عن تِسْعِمائة وخَمْسِينَ. أمَّا القَضاءُ فإنَّما يَرْفَعُ جُزْءًا كان ثَابِتًا، فإذا ارْتَفعَ بالقَضَاءِ لا يجوزُ التَّعْبِيرُ عنه بما يَدُلُّ على البَقَاءِ.

فصل (١٠): وإن وَصَلَ إقْرَارَهُ بما يُسْقِطُه، فقال: له علَىَّ ألْفٌ من ثَمَنِ خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ، أو من ثَمَنِ طَعَامٍ اشْتَرَيْتُه فهَلَكَ قبلَ قَبْضِه، أو ثَمَن مَبِيعٍ فاسِدٍ لم أَقْبِضْهُ، أو تَكَفَّلْتُ به على أنِّى بالخِيَارِ. لَزِمَهُ الأَلْفُ، ولم يُقْبَلْ قولُه في إِسْقاطِه. ذَكَرَهُ أبو الخَطَّابِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، وأحَدُ (١١) قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ. وذَكَرَ القاضي أَنَّه إذا قال: له علَىَّ أَلْفٌ زُيُوفٌ. ففَسَّرَهُ (١٢) بِرَصَاصٍ أو نُحَاسٍ، لم يُقْبَلْ؛ لأنَّه رَفَعَ كلَّ ما اعْتَرَفَ به. وقال في سَائِرِ الصُّوَرِ التي ذَكَرْناها: يُقْبَلُ قَوْلُه؛ لأنَّه عَزَا إِقْرَارَهُ إلى سَبَبِه، فَقُبِلَ، كما لو عَزَاهُ إلى سَبَبٍ صَحِيحٍ. ولَنا، أنَّ هذا يُنَاقِضُ ما أَقرَّ به، فلم يُقْبَلْ، كالصُّورَةِ التي سَلَّمَها، وكما لو قال: له عَلَىَّ أَلْفٌ لا يَلْزَمُنِى. أو يقول: دَفَعَ جَمِيعَ ما أَقرَّ به. فلم يُقْبَلْ، كاسْتِثْناءِ الكُلِّ. وغيرُ خَافٍ تَنَاقُضُ كَلَامِه؛ فإنَّ ثُبُوتَ أَلْفٍ عليه في هذه المَوَاضِع لا يُتَصَوَّرُ، وإِقْرَارُه إِخْبارٌ بِثُبُوتِه، فيَتَنَافَيانِ، وإن سَلَّمَ ثُبُوتَ الأَلْفِ عليه فهو ما قُلْنَاهُ.

فصل: ولا يُقْبَلُ رُجُوعُ المُقِرِّ عن إِقْرَارِه، إلَّا فيما كان حَدًّاِ لِلهِ تعالى، يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، ويُحْتَاطُ لإِسْقَاطِه. فأمَّا حُقُوقُ الآدَمِيِّينَ، وحُقُوقُ اللهِ تعالى التي لا تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ (١٣)، كالزَّكَاةِ والكَفَّارَاتِ، فلا يُقْبَلُ رُجُوعُه عنها. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا.


(٩) سورة العنكبوت ١٤.
(١٠) سقط من: م.
(١١) في الأصل، أ: "وهو أحد".
(١٢) في أ، ب: "وفسره".
(١٣) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>