للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصَحِيحٍ. وأمَّا حديثُ عمرَ، فإنَّما كان ذلك حين كانت الدِّيَةُ ثمانيةَ آلافٍ، فأوْجَبَ فيه نِصْفَها أرْبعةَ آلافٍ، ودليلُ ذلك ما رَوَى عمرُو بن شعيبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه، قال: كانت قِيمَةُ الدِّيَةِ على عهدِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثمانمائةَ دِينَارٍ، أو ثمانيةَ آلافِ دِرْهمٍ، ودِيَةُ أهلِ الكتابِ يومئذٍ النِّصْفُ (١٤). فهذا بيانٌ وشَرْحٌ مُزِيلٌ للإِشكالِ، ففيه جَمْعٌ للأحاديثِ، فيكونُ دليلًا لنا، ولو لم يَكُنْ كذلك، لكان قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُقَدَّمًا على قولِ عمرَ وغيرِه، بغير إشكالٍ، فقد كان عمرُ، رَضِىَ اللهُ عنه، إذا بَلَغَه عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُنّةٌ، تَرَكَ قولَه، وعَمِلَ بها، فكيف، يَسُوغُ لأحدٍ أن يَحْتَجَّ بقَوْلِه في تَرْكِ قولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-! فأمَّا ما احْتَجَّ به الآخَرُون، فإنَّ الصحيحَ من حديثِ عمرِو بن شُعَيْبٍ ما رَوَيْناه، أخْرَجَه الأئِمَّةُ في كُتُبِهم، دُونَ ما رَوَوْه. وأمَّا ما رَوَوْه من أقْوالِ الصَّحابةِ، فقد رُوِىَ عنهم خِلافُه، فنَحْمِلُ قولَهم في إيجابِ الدِّيَةِ كاملةً على سبيلِ التَّغْلِيظِ. قال أحمدُ: إنَّما غَلَّظَ عثمانُ الدِّيَةَ عليه؛ لأنَّه كان عَمْدًا، فلما تَرَكَ القَوَدَ غَلَّظَ عليه. وكذلك حديثُ معاويةَ، ومثل هذا ما رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، حين انْتَحَرَ رَقِيقُ حاطبٍ ناقةً لرَجُلٍ مُزَنىٍّ، فقال عمرُ (١٥) لحاطِبٍ: إنِّي أرَاكَ تُجِيعُهم، لأُغْرِمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عليك. فأغْرَمَه مِثْلَىْ قِيمَتِها (١٦). فأمَّا دِياتُ نِسائِهِم، فعلى النِّصْفِ من دِياتِهم، لا نَعْلمُ في هذا خِلافًا. قال ابنُ المَنْذِرِ: أجْمَعَ أهلُ العلمِ على أنَّ دِيَةَ المرأةِ نِصْفُ دِيَةِ الرجلِ. ولأنَّه لمَّا كان دِيَةُ نِساءِ المسلمين (١٧) على النِّصْفِ من دِيَاتِهم، كذلك نِساءُ أهلِ الكِتابِ على النِّصْفِ من دِيَاتِهم.

فصل: وجِراحُهم (١٨) من دِيَاتِهِم كجِراحِ المسلمينَ من دِيَاتهِم، وتُغَلَّظُ دِيَاتُهم


(١٤) أخرجه أبو داود، في: باب الدية كم هي، من كتاب الديات. سنن أبي داود ٢/ ٤٩١.
(١٥) سقط من: م.
(١٦) أخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في تضعيف الغرامة، من كتاب السرقة. السنن الكبرى ٨/ ٢٧٨. وعبد الرزاق، في: باب سرقة العبد، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ٢٣٨، ٢٣٩.
(١٧) في م: "المسلم".
(١٨) في الأصل، م: "وجراحاتهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>