للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْحَه بيَدِه غَيْرُ مُشْتَرَطٍ، بدَلِيلِ ما لو مَسَحَه بِيَدِ غيرِه. والثانى، لا يُجْزِئه؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَسَحَ بِيَدِه. وإن وَضَعَ عَلَى رَأسِه خِرْقَةً مَبْلُولَةً فابْتَلَّ بها (٣٥) رَأسُه، أو وَضَع خِرْقَةً ثم بَلَّها حتى ابْتَلَّ شَعْرُه، لَمْ يُجْزِئْه؛ لأنَّ ذلك ليس بمَسْحٍ ولا غَسْلٍ. ويَحْتَمِلُ أن يُجْزِئَه؛ لأنَّه بَلَّ شَعْرَه قاصِدًا للوُضُوءِ، فأجْزَأه، كما لو غَسَلَهُ. وإن مَسَحَ بإصْبَعٍ أو إصْبَعَيْنِ أجْزَأه إذا مَسَحَ بهما ما يَجِبُ مَسْحُه كلَّه. ونَقَلَ محمد بن الحَكَمِ، عن أحْمدَ، أنَّه لا يُجْزِئُه. قال القاضِى: هذا مَحْمُولٌ عَلَى وُجُوبِ الاسْتِيعابِ، فإنه لا يمْكِنه اسْتِيعاب الرَّأْسِ بإِصْبَعهِ، فأمَّا إنِ اسْتَوْعَبَه أجْزَأَهُ؛ لأنَّه مَسَحَ ببَعْضِ يَدِه، أشْبَهَ مَسْحَه بكَفِّهِ.

فصل: والأُذُنان من الرَّأْسِ، فَقِياسُ المَذْهَبِ وُجُوبُ مَسْحِهِما مَعَ مَسْحِه. وقال الخَلَّالُ: كُلُّهُم حَكَوْا عن أبي عَبْدِ اللَّه، فِيمَنْ تَرَكَ مَسْحَهُما عامِدًا أو ناسِيًا، أنَّه يُجْزِئُه؛ وذلك لأنَّهُما تَبَعٌ للرَّأْسِ، لا يُفْهَمُ مِنْ إطْلاقِ اسْمِ الرَّأسِ دُخُولُهُما فيه، ولا يُشْبِهانِ بَقِيَّةَ أجْزاءِ الرَّأْسِ، ولذلك لم يُجْزِهِ مَسْحُهما عن مَسْحِه عِنْدَ مَنِ اجْتَزَأَ بمَسْحِ بَعْضِه، والأَوْلَى مَسْحُهما مَعَه؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَسَحَهُما معَ رَأْسِه، فَرَوَت الرُّبَيِّعُ، أنها رَأَت النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَسَحَ رَأسَه، ما أقْبَلَ منه ومَا أدْبَرَ وصُدْغَيْه وأُذُنَيْهِ مَرَّةً واحِدَةً (٣٦) ورَوَى ابنُ عَبَّاس، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَسَحَ برَأسَه (٣٧) وأُذُنَيْه ظَاهِرَهُما وباطِنَهُما (٣٨). وقال التِّرْمِذِىُّ: حَدِيثُ ابنِ عَبّاس وحَدِيثُ الرُّبَيّع صَحِيحان (٣٩). ورَوَى المِقْدامُ بنُ مَعْدِ يكَرِبَ. أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَسَحَ برَأْسِه وأُذُنَيْهِ، وأدْخَل إصْبَعَيْه في صِمَاخَىْ (٤٠) أُذُنَيْه. رَوَاه أبو دَاوُد (٤١). فيُسْتَحَبُّ أن


(٣٥) سقط من: الأصل.
(٣٦) تقدم تخريج حديث الربيع صفحة ١٥٠.
(٣٧) في م: "رأسه".
(٣٨) أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ٥٤.
(٣٩) عبارة الترمذي: "حديث ابن عباس حديث حسن صحيح". وسبق ذلك قوله بعد روايته حديث ابن عباس: "وفى الباب عن الرُّبَيِّع".
(٤٠) في سنن أبي داود: "صماخ". والصماخ: خرق الأذن.
(٤١) في: باب صفة وضوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>