للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَفْعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُه، فَيَئُولَ إلَى إتْلَافِ حُرٍّ، مُسْلِمًا كَانَ أوْ كَافِرًا، فَتَكُونَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِه، وعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبةٍ مُؤْمِنَةٍ)

وجُمْلَتُه أنَّ الْخَطَأَ أن يَفْعَلَ فِعْلًا لا يُرِيدُ به إصابةَ المَقْتُولِ، فيُصِيبَه ويَقتُلَه، مثل أن يَرْمِيَ صَيْدًا أو هَدَفًا، فيُصِيبَ إنسانًا فيَقْتُلَه. قال ابنُ المُنْذِر: أجْمَعَ كلُّ مَنْ نَحْفَظُ عنه من أهلِ العلمِ، أنَّ القَتْلَ الخطأَ، أن يَرْمِيَ الرَّامِي شيئًا، فيُصِيبَ غيرَه، لا أعْلَمُهم يختلفونَ فيه. هذا قولُ عمرَ بن عبد العزيزِ، وقَتادةَ، والنَّخَعِيِّ، والزُّهْرِيِّ، وابنِ شُبْرُمةَ، والثَّوْرِيِّ، ومالكٍ، والشافعيِّ، وأصْحابِ الرَّأْيِ. فهذا الضَّربُ من الخطإِ تجبُ به الدِّيَةُ على العاقِلَةِ، والكَفَّارةُ في مالِ القاتِل، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. والأصلُ في وُجُوبِ الدِّيَةِ والكَفَّارةِ، قولُ اللَّه تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} (١). وسَواءٌ كان المقتولُ مُسْلِمًا أو كافرًا له عَهْدٌ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (١). ولا قِصاصَ في شيءٍ من هذا؛ لأنَّ اللهَ تعالى أوْجَبَ به الدِّيَةَ، ولم يَذْكُرْ قِصاصًا، وقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِى الْخطَأُ، والنِّسْيانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا علَيْه" (٢). ولأنه لم يُوجِبِ القِصاصَ في عَمْدِ الخَطَإِ، ففى الخَطَإِ أَوْلَى.

فصل: وإن قَصَدَ فِعلًا مُحَرَّمًا، فقَتَلَ آدَمِيًّا، مثل أن يَقْصِدَ قَتْلَ بَهِيمةٍ، أو آدَمِيًّا معْصُومًا، فيُصِيبَ غيرَه، فيَقْتُلَه، فهو خَطَأٌ أيضًا؛ لأنه لم يَقْصِدْ قتلَه. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. وكذلك قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَنْ نحفظُ عنه من أهلِ العلمِ، على أنَّ القَتْلَ الخطَأَ، أن يَرْمِيَ الرَّامِي شيئًا، فيُصيبَ غيرَه. ويتَخرَّجُ على قولِ أبي بكرٍ، أنَّ هذا عَمْدٌ؛ لِقَوْلِه في من رَمَى نصْرانِيًّا، فلم يَقَعْ به السَّهْمُ حتى أسْلَمَ، أنَّه عَمْدٌ يَجِبُ به القِصاصُ؛ لكَوْنِه قَصَدَ فِعْلًا مُحَرَّمًا، قَتَلَ به إنْسانًا.


(١) سورة النساء ٩٢.
(٢) تقدم تخريجه، في: ١/ ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>