للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجائفة، لم يَزِدْ على أرْشِ الجائفةِ، وما لم يكُنْ كذلك، وجبَ ما أخْرَجَتْه الحُكومةُ؛ لأنَّ المَحَلَّ مُخْتلِفٌ. فإن قِيلَ: فقد وجبَ في بعض البدَنِ أكثرُ ممَّا وجبَ في جميعِه، ووَجبَ في مَنافعِ اللِّسانِ أكثرُ من الواجبِ فيه؟ قُلْنا: إنَّما وجَبتْ دِيَةُ النَّفْسِ عِوَضًا عن الرُّوحِ، وليستِ الأطْرافُ بعضَها، بخلافِ مَسْألتِنا هذه. ذكَره القاضي. ويَحْتَمِلُ كلامُ الْخِرَقِيِّ أن يَخْتَصَّ امْتناعُ الزِّيادةِ بالرأسِ والوَجْهِ؛ لقوله: إلَّا أنْ تكونَ الجنايةُ في رأسٍ أو وَجْهٍ، فلا يُجاوَزُ به أرشُ المُوَقَّتِ.

فصل: وإذا أخْرجَتِ الحُكومةُ في شِجاج الرَّأْسِ التي دُونَ المُوضِحَةِ قَدْرَ أرْشِ المُوضِحَةِ، أو زيادةً عليه، فظاهرُ كلامِ الْخِرَقِيِّ أنَّه يجبُ أرشُ المُوضِحَةِ. وقال القاضي: يجبُ أن تَنْقُصَ عنها شيئًا، على حسَبِ ما يُؤَدِّى إليه الاجتهادُ. وهذا مذهبُ الشَّافعيِّ؛ لئلَّا يجبَ في بعضِها ما يجبُ في جميعِها. ووَجْهُ قولِ الْخِرَقِيِّ، أنَّ مُقْتَضَى الدَّليلِ وُجوبُ ما أخْرَجتْهُ الحُكومةُ، وإنَّما سقَطَ الزَّائدُ على أرْشِ المُوضِحَةِ؛ لمُخالَفتِه النَّصَّ (٢)، أو تَنْبِيهَ النَّصِّ، ففِيما لم يَزدْ، يجبُ البَقاءُ على الأصل، ولأنَّ ما ثَبتَ بالتَّنْبِيهِ، يجوزُ أنْ يُساوِيَ المَنْصُوصَ عليه في الحُكْمِ، ولا يَلْزَمُ أَنْ يَزِيدَ عليه، كما أنَّه لمَّا نَصَّ على وُجوبِ فِدْيةِ الأذَى في حقِّ الْمَعْذورِ، لمْ (٣) تَلْزَمْ زيادتُها في حَقِّ مَن (٤) لا عُذْرَ له، ولا يَمْتَنِعُ أنْ يجبَ في البَعْضِ ما يجبُ في الكُلِّ، بدليلِ وُجوبِ دِيَةِ الأصابعِ؛ مثلَ دِيَةِ الْيَدِ كلِّها، وفي حَشَفَة الذَّكَرِ مثلُ ما في جميعِه. فإنْ قِيل: هذا وجَبَ بالتَّقْديرِ الشَّرْعِيِّ، لا بالتَّقْويمِ. قُلْنا: إذا ثَبتَ الحُكْمُ بنَصِّ الشَّارعِ، لم يَمْتَنِعْ ثُبوتُ مِثْلِه بالقياسِ عليه، والاجتهادِ المُؤدِّي إليه. وفي الجملةِ، فالحُكومةُ دليلُ تَرْكِ العملِ بها في الزَّائدِ لمعنًى مَفْقودٍ في المُسَاوِي، فيجبُ العملُ فيه بها لِعَدَمِ المُعارِضِ ثَمَّ، وإنْ صحَّ ما


(٢) في ب: "بالنص".
(٣) في م: "ولم".
(٤) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>