للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو حنيفةَ، والشافعيُّ. وحُكِىَ عن مالكٍ، أنَّ القِصاصَ واجبٌ؛ لأنَّ الجِنايةَ صارَتْ نَفْسًا، ولم يَعْفُ عنها. ولَنا، أنَّه يتَعَذَّرُ اسْتِيفاءُ القِصاصِ في النَّفْسِ دُونَ ما عَفَا عنه، فسَقَطَ في النَّفْسِ، كما لو عَفَا بعضُ الأوْلياءِ، ولأنَّ الجِنايةَ إذا لم يكنْ فيها قِصاصٌ مع إمْكانِه، لم يَجِبْ في سِرَايتِها، كما لو قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ ثم أسْلَم ثم مات منها ثَمَّ (٢٨)، يُنْظَرُ (٢٩)؛ فإن كان عَفَا على مالٍ، فله الدِّيةُ كاملةً، وإن عَفَا على غيرِ مالٍ، وجَبَتِ الدِّيَةُ إلَّا أرْشَ الجُرْحِ (٣٠) الذي عَفَا عنه. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: تجبُ الدِّيَةُ كاملةً؛ لأنَّ الجِنايةَ صارَتْ نَفْسًا، وحَقُّه في النَّفْسِ لا فيما عَفَا عنه، وإنَّما سَقَطَ القِصاصُ للشُّبْهةِ. وإن قال: عَفَوْتُ عن الجنايةِ. لم يَجِبْ شيءٌ؛ لأنَّ الجِنايةَ لا تَخْتَصُّ بالقَطْعِ. وقال القاضي، فيما إذا عَفَا عن القَطْعِ: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّه لا يَجِبُ شيءٌ. وبه قال أبو يوسفَ ومحمدٌ؛ لأنَّه قَطْعٌ غيرُ مَضْمُونٍ، فكذلك سِرَايَتُه. ولَنا، أنَّها سِرَايةُ جِنايةٍ أوْجَبَتِ الضَّمانَ، فكانت مَضْمُونةً، كما لو لم يَعْفُ، وإنَّما سَقَطَتْ دِيَتُها بعَفْوِه عنها، فيَخْتَصُّ السُّقُوطُ بما عَفَا عنه دُونَ غيرِه، والمَعْفُوُّ عنه نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لأنَّ الجِنايةَ أوْجَبَتْ نِصْفَ الدِّيَةِ، فإذا عَفَا، سَقَطَ ما وَجَبَ دون ما لم يَجِبْ، فإذا صارت نَفْسًا، وجَبَ بالسِّرَايةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، ولم يَسْقُطْ أرْشُ الجُرْحِ فيما إذا لم يَعْفُ، وإنَّما تَكَمَّلتِ الدِّيَةُ بالسِّرَايةِ.

فصل: فإن كان الجُرْحُ لا قِصاصَ فيه، كالجائفةِ ونحوها، فعَفَا عن القِصاصِ فيه، فسَرَى إلى النَّفْسِ، فلِوَلِيِّه القِصاصُ؛ لأنَّ القِصاصَ لم يَجِبْ في الجُرْحِ، فلم يَصِحَّ العَفْوُ عنه، وإنَّما وَجَبَ القِصاصُ بعدَ عَفْوِه، وله (٣١) العَفْوُ عن القِصاصِ، وله كمالُ الدِّيَةِ. وإن عَفَا عن دِيَةِ الجُرْحِ، صَحَّ، وله بعدَ السِّرايةِ دِيَةُ النَّفْسِ إلَّا أرْشَ


(٢٨) سقط من: م.
(٢٩) في م: "نظرنا".
(٣٠) في ب، م: "الجراح".
(٣١) في ب: "وأما".

<<  <  ج: ص:  >  >>