للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَدَّها كان القولُ قولَه. وإن فَسَّرَهَا بِدَيْنٍ عليه، قُبِلَ أيضًا؛ لأنَّه يُقِرُّ على نَفْسِه بما هو أَغْلظ. وإن قال: له عِنْدِى وَدِيَعةٌ رَدَدْتُها إِليه. أو تَلِفَتْ. لَزِمَهُ ضَمَانُها، ولم يُقْبَلْ قولُه. وبهذا قال الشّافِعِىُّ؛ لما فيه من مُنَاقَضَةِ الإِقْرَارِ، والرُّجُوعِ عما أقَرَّ به، فإنَّ الأَلْفَ المَرْدُودَ والتَّالِفَ ليستْ عندَه أَصْلًا، ولا هي وَدِيعَةٌ، وكلُّ كَلَامٍ يُنَاقِضُ الإِقْرَارَ ويُحِيلُه، يَجِبُ أن يكونَ مَرْدُودًا. وقال القاضي: يُقْبَلُ قولُه؛ لأنَّ أحمدَ قال، في رِوَايَةِ ابن مَنْصُورٍ: إذا قال: لك عِنْدِى وَدِيعَةٌ دَفَعْتُها إليك. صُدِّقَ؛ لأنَّه ادَّعَى تَلَفَ الوَدِيعَةِ، أو رَدَّهَا، فقُبِلَ، كما لو ادَّعَى ذلك بكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ. وإن قال: كانت عِنْدِى، وظَنَنْتُ أنها باقِيَةٌ، ثم عَرَفْتُ أنَّها كانتْ قد هَلَكَتْ. فالحُكْمُ فيها كالتى قَبْلَها.

٨٥٤ - مسألة؛ قال: (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَىَّ أَلْفٌ. ثُمَّ قَالَ: وَدِيعَةً. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّه إذا أقَرَّ بِدَرَاهِمَ بقَوْلِه: عَلَىَّ كذا. ثم فَسَّرَهُ بالوَدِيعَةِ، لم يُقْبَلْ قَوْلُه، فلو ادَّعَى بعدَ هذا تَلَفَها، لم يُقْبَلْ قَوْلُه. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ. وقِيلَ عن الشّافِعِىِّ: يُقْبَلُ قَوْلُه أنها وَدِيعَةٌ، وإذا ادَّعَى بعد ذلك تَلَفَها، قُبِلَ منه. وقال القاضي ما يَدُلُّ على هذا أيضًا؛ لأنَّ الوَدِيعَةَ عليه حِفْظُها وَرَدُّها، فإذا قال: عَلَىَّ. وفَسَّرَها بذلك، احْتَمَلَ صِدْقَه، فَقُبِلَ منه، كما لو وَصَلَه بِكَلَامِه، فقال: له (١) عَلَىَّ أَلْفٌ وَدِيعَةً. ولأنَّ حُرُوفَ الصِّلَاتِ (٢) يَخْلُفُ بَعْضُها بَعْضًا، فيَجوزُ أن يَسْتَعْمِلَ "عَلَىَّ" بمعنى "عِنْدِى" كما قال اللهُ تعالى إِخْبَارًا عن مُوسَى عليه السَّلَامُ، أنَّه قال: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} (٣). أي عِنْدِى. ولَنا، أنَّ "عَلَىَّ" للإِيجَابِ، وذلك يَقْتَضِى كَوْنَها في ذِمَّتِه، وكذلك لو قال: ما عَلَى فُلَانٍ عَلَىَّ. كان ضَامِنًا له، والوَدِيعَةُ ليستْ في ذِمَّتِه،


(١) سقط من: الأصل، ب، م.
(٢) في أ: "الصفات".
(٣) سورة الشعراء ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>