للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالبَيْتِ، فإن طافَ لِلْوَدَاعِ، ثمَّ اشْتَغَلَ بِتِجَارَةٍ أو إقَامَةٍ، فعليه إعَادَتُه. وبهذا قال عَطاءٌ، ومَالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: إذا طافَ لِلْوَدَاعِ، أو طَافَ تَطَوُّعًا بعدَ ما حَلَّ له النَّفْرُ، أجْزَأهُ عن طَوَافِ الوَدَاعِ، وإن أقَامَ شَهْرًا أو أكْثَرَ، لأنَّه طَافَ بعدَ ما حَلَّ له النَّفْرُ، فلم يَلْزَمْهُ إعَادَتُه، كما لو نَفَرَ عَقِيبَهُ. ولَنا، قَوْلُه عليه السَّلَامُ: "لَا يَنْفِرَنَّ أحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِه بِالْبَيْتِ" (٢). ولأنَّه إذا أقَامَ بَعدَه، خَرَجَ عن أن يَكُونَ وَدَاعًا فى العَادَةِ، فلم يُجْزِهِ، كما لو طَافَهُ قبل حِلِّ النَّفْرِ. فأمَّا إن قَضَى حَاجَةً فى طَرِيقِه، أو اشْتَرَى زَادًا أو شيئًا لِنَفْسِه فى طَرِيقِه، لم يُعِدْه؛ لأنَّ ذلك ليس بإقامَةٍ تُخْرِجُ طَوَافَه عن أن يَكُونَ آخِرَ عَهْدِه بِالبَيْتِ، وبهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، ولا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لهما.

٦٦٢ - مسألة؛ قال: (فَإِنْ خرَجَ قَبْلَ الوَدَاعِ، رَجَعَ إنْ كَانَ بالقُرْبِ، وَإنْ بَعُدَ (١)، بَعَثَ بِدَمٍ)

هذا قَوْلُ عَطاءٍ، والثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ، وأبِى ثَوْرٍ. والقَرِيبُ هو الذى بَيْنَهُ وبين مَكَّةَ دُونَ مَسافَةِ القَصْرِ. والبَعِيدُ مَن بَلَغَ مَسَافَةَ القَصْرِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ. وكان عَطاءٌ يَرَى الطَّائِفَ قَرِيبًا. وقال الثَّوْرِىُّ: حَدُّ ذلك الحَرَمُ، فمَن كان فى الحَرَمِ فهو قَرِيبٌ، ومن خَرَجَ منه فهو بَعِيدٌ. ووَجْهُ القَوْلِ الأوَّلِ، أنَّ مَنْ دُونَ مَسافَة القَصْرِ فى حُكْمِ الحَاضِرِ، فى أنَّه لا يَقْصُرُ ولا يُفْطِرُ، ولذلك عَدَدْنَاهُ من حَاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ، وقد رُوِىَ أن عُمَرَ رَدَّ رَجُلًا من مُرٍّ (٢) إلى مَكَّةَ، لِيكونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ. رَوَاه سَعِيدٌ. ومَن (٣) لم يُمْكِنْه


(٢) تقدَّم تخريجه فى صفحة ٣٣٦.
(١) فى الأصل: "أبعد".
(٢) مر، بالضم: واد فى بطن إضم. وقيل هو بطن إضم. معجم البلدان ٤/ ٤٩٥. وإضم: ماء يطأه الطريق بين مكة واليمامة. معجم البلدان ١/ ٣٠٥.
وليس المراد بطن مر، بفتح الميم، لأنَّه داخل فى الحرم.
(٣) فى ب، م: "وإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>