للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ (٢٢) دِمَاؤُهُمْ" (٢٣). ولأنَّ اعْتِبارَ التَّسَاوِى في الصِّفاتِ والفضائِل، يُفْضِى إلى إسْقاطِ القِصاصِ بالكُلِّيَّةِ، وفَواتِ حِكْمةِ الرَّدْعِ والزَّجْرِ، فوَجَبَ أن يَسْقُطَ اعْتِبارُه، كالطُّولِ والقِصَرِ، والسَّوادِ والبَياضِ.

فصل: ولا يُشْتَرطُ في وُجُوبِ القِصاصِ كونُ القَتْلِ في دارِ الإِسْلامِ، بل متى قَتَلَ في دارِ الحَرْبِ مُسْلِمًا عامِدًا عالمًا بإسْلامهِ، فعليه القَوَدُ، سواءٌ كان قد هاجَرَ أو لم يُهاجِرْ. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يجبُ القِصاصُ بالقَتْلِ في غيرِ دارِ الإِسلامِ، فإنْ لم يكُن المقتولُ هاجَرَ، لم يَضْمَنْه بقِصاصٍ ولا دِيَةٍ، عَمْدًا قَتَلَه أو خَطَأً، وإن كان قد هاجَرَ، ثم عاد إلى دارِ الحَربِ، كرَجُلينِ مُسلِمَيْنِ دَخَلا دارَ الحَرْبِ بأمَانٍ، فقَتَلَ أحَدُهما صاحِبَه، ضمِنَه بالدِّيَةِ، ولم يَجِب القَوَدُ. وحُكِيَ عن أحمدَ روايةٌ كقولِه. ولو قتَلَ رَجُلًا أسِيرًا مُسْلِمًا في دارِ الحَرْبِ، لم يَضْمَنْه إلا بالدِّيَةِ، عَمْدًا قَتَلَه أو خَطَأً. ولَنا، ما ذكرْنا من الآياتِ والأخْبارِ، ولأنَّه قَتَلَ من يُكافِئُه عَمْدًا ظُلْمًا، فوَجَبَ عليه القَوَدُ، كما لو قَتَلَه في دارِ الإِسلامِ، ولأن كل دارٍ يجبُ فيها القِصاصُ إذا كان فيها إمامٌ، يجِبُ وإن لم يكُنْ فيها إمامٌ، كدَارِ الإِسْلامِ.

فصل: وقَتْلُ الغِيلَةِ وغيرُه سَواءٌ في القِصاصِ والعَفْوِ، وذلك للوَلِيِّ دُونَ السلطانِ. وبه قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال مالكٌ: الأمرُ عندنا أن يُقْتَلَ به، وليس لوَلِيِّ الدَّمِ أن يَعْفُوَ عنه، وذلك إلى السُّلْطانِ. والغِيلَةُ عنده، أن يُخْدَعَ الإِنسانُ، فيُدْخَلَ بيتًا أو نحوَه، فيُقْتَلَ أو يُؤْخَذَ مالُه. ولعَلَّه يَحْتَجُّ بقول عمرَ، في


(٢٢) في الأصل، أ، م: "تكافأ".
(٢٣) أخرجه البخاري، في: باب حرم المدينة، من كتاب فضائل المدينة، وفي: باب ذمة المسلمين، من كتاب الجزية، وفي: باب إثم من تبرأ من مواليه، من كتاب الفرائض، وفي: باب ما يكره من التعمق، لتنازع في العلم. . ., من كتاب الاعتصام. صحيح البخاري ٣/ ٢٦، ٤/ ١٢٢، ٨/ ١٩٢، ٩/ ١٢٠. ومسلم، في: باب فضل المدينة. . ., من كتاب الحج. صحيح مسلم ٢/ ٩٩٩. وأبو داود، في: باب تحريم المدينة، من كتاب المناسك، وفي: باب أيقاد المسلم بالكافر، من كتاب الديات. سنن أبي داود ١/ ٢٦٩، ٤٨٨. والنسائي، في: باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، وباب سقوط القود من المسلم للكافر، من كتاب القسامة. المجتبى ٨/ ١٨، ٢١، ٢٢. وابن ماجه، في: باب المسلمون تتكافأ دماؤهم، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٩٥. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ١١٩، ١٢٢، ١٢٦، ١٥١، ٢/ ١٨٠، ١٩٢، ٢١١، ٢١٥، ٣٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>