للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجاهِدٌ: الرُّقْبَى أن يقول هي للآخِر مِنِّى ومِنْكَ مَوْتًا. ورَوَى الإِمامُ أحمدُ (٢١)، بإسْنادِه، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "لَا عُمْرَى، ولَا رُقْبَى، فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا، أو أُرْقِبَهُ، فَهُوَ لَهُ حَيَاتهُ ومَوْتَهُ". وهذا صَرِيحٌ في إبْطالِ الشَّرْطِ؛ لأنَّ الرُّقْبَى يُشْتَرَطُ فيها عَوْدُها إلى المُرْقِبِ إن ماتَ الآخَرُ قَبْلَه. وأمَّا حَدِيثُهم الذي احْتَجُّوا به، فمن قولِ جابِرٍ نَفسِه، وأمَّا نقْلُ لَفْظِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أمْوَالَكُمْ، ولَا تُفْسِدُوهَا، فإنَّه مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِىَ لِلَّذِى أُعْمِرَهَا، حَيًّا ومَيّتًا، ولِعَقِبهِ". ولأنَّا لو أجَزْنا هذا الشَّرْطَ، كانت هِبَةً مُؤَقَّتةً، والهِبَةُ لا يجوزُ فيها التَّأْقِيتُ (٢٢)، ولم يُفْسِدْها الشَّرْطُ؛ لأنَّه ليس بِشَرْطٍ على المُعْمَرِ، وإنَّما شَرْطُ ذلك على وَرَثَتِه، ومتى لم يكُنِ الشَّرْطُ مع المَعْقُودِ معه، لم يُؤَثِّرْ فيه. وأمَّا قولُه في الحَدِيثِ الآخَرِ: إنَّه أعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فيه المَوَارِيثُ. فهذه الزِّيَادَةُ من كلامِ أبي سَلَمةَ بن عبد الرحمنِ، كذلك رَوَاه ابنُ أبي ذِئْبٍ (٢٣)، وفَصَّلَ هذه الزِّيَادَةَ فقال عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، إنَّه قَضَى في مَن أُعْمِرَ عُمْرَى له ولِعَقِبِه، فهى له بَتْلَةً (٢٤)، لا يَجُوزُ لِلْمُعْطِى فيها شَرْطٌ ولا مَثْنَوِيَّةٌ (٢٥). قال أبو سَلَمةَ: لأنَّه أعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فيه المَوارِيثُ.

فصل: والرُّقْبَى هي أن يقول: هذا لك عُمُرَكَ، فإن مِتَّ قَبْلِى رَجَعَ إلىَّ، وإن مِتُّ قَبْلكَ فهو لك. ومَعْناه هي لآخِرِنَا مَوْتًا. وكذلك فَسّرَها مجاهِدٌ. سُمِّيَتْ رُقْبَى لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَرْقُبُ مَوْتَ صاحِبِه. وقد رُوِىَ عن أحمدَ أنَّه قال: هي أن يقولَ: هي لك حَيَاتكَ، فإذا مُتَّ فهى لِفُلانٍ، أو هي راجِعَةٌ إلىَّ. والحُكْمُ فيها على ما تَقَدَّمَ


(٢١) في: المسند ٢/ ٣٤، ٧٣.
(٢٢) سقط من: م.
(٢٣) في الأصل: "ذؤيب".
وأخرج الحديث مسلم، في: باب العمرى، من كتاب الهبات. صحيح مسلم ٣/ ١٢٤٦. والنسائي، في باب ذكر الاختلاف على الزهرى فيه، من كتاب العمرى. المجتبى ٦/ ٢٣٣.
(٢٤) بتلة: مقطوعة.
(٢٥) المثنوية: الاستثناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>