المَنْهِىِّ عنه. ولأنَّه تَرَكَ اتِّبَاعَ إمامِه، مع قُدْرَتِه عليه، أشْبَهَ تَارِكَ القِيامِ في حال قِيامِ إمَامِه. والثانى، تَصِحُّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى وَرَاءَه قَوْمٌ قِيَامًا، لم يَأْمُرْهم بالإِعادِة، فعَلَى هذا يُحْمَلُ الأمْرُ على الاسْتِحْبَابِ، ولأنَّه [تكلَّفٌ للقيامِ](١٧) في مَوْضِعٍ يجوزُ له القُعُودُ أشْبَهَ المَرِيضَ إذا تَكَلَّفَ القِيامَ. ويَحْتَمِلُ أنْ تَصِحَّ صَلَاةُ الجَاهِلِ بِوُجُوبِ القُعُودِ، دُونَ العالِم بذلك، كقَوْلِنَا في الذي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ. فأمَّا مَن وَجَبَ عليه القِيامُ فَقَعَدَ، فإنَّ صَلَاتَه لا تَصِحُّ؛ لأنَّه تَرَكَ رُكْنًا يَقْدِرُ على الإِتْيانِ به.
فصل: ولا يَؤُمُّ القَاعِدُ مَن يَقْدِر على القِيَامِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ: أحدُهما، أن يكونَ إمامَ الحَىِّ. نَصَّ عليه أحمدُ، فقالَ: ذلك لإِمامَ الحَىِّ؛ لأنَّه لا حاجة بهم إلى تَقْدِيمِ عاجِزٍ عن القِيامِ إذا لم يكن الإِمامَ الرَّاتِبَ. فلا يَتَحَمَّلُ إسْقَاطَ رُكْنٍ في الصلاةِ لغيرِ حَاجَةٍ، والنَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حيثُ فَعَلَ ذلك كان هو الإِمامَ الرَّاتِبَ. الثاني، أن يكونَ مَرَضُه يُرْجَى زَوَالُه؛ لأنَّ اتِّخَاذَ الزَّمِنِ، ومن لا يُرْجَى قُدْرَتُه على القِيامِ إمامًا رَاتِبًا، يُفْضِى إلى تَرْكِهِم القِيامَ على الدَّوَامِ، ولا حاجَةَ إليه، ولأنَّ الأصْلَ في هذا فِعْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والنبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُرْجَى بُرْؤُه.
إنَّما كان كذلك لأنَّ أبا بكرٍ حيث ابْتدَأَ بهم الصلاةَ قَائِمًا، ثم جاءَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأتَمَّ الصلاةَ بهم جَالِسًا، أتَمُّوا قِيَامًا، ولم يَجْلِسُوا. ولأنَّ القِيامَ هو الأصْلُ، فمَن بَدَأَ به في الصلاةِ لَزِمَهُ فى جَمِيعِها إذا قَدَرَ عليه، كالتَّنَازُعِ في صَلَاةِ المُقِيمِ يَلْزَمُه إتْمَامُها، وإن حَدَثَ مُبِيحُ القَصْرِ في أَثْنَائِها.