للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِنايةٌ (١٣) ورَدَتْ على مَحَلٍّ مُسْتَحِقٍّ، فقُدِّمَ صاحِبُها على المُسْتَحِقِّ قبلَه، كالجِنايةِ على المَمْلُوكِ الذي لم يَجْنِ. وقال شريحٌ، في عَبْدٍ شَجَّ رَجُلًا، ثم آخَرَ، [ثم آخَرَ] (١٤)، فقال شُرَيحٌ: يُدْفَعُ إلى الأوَّلِ، إلَّا أن يَفْدِيَه مَوْلاه، ثم يُدْفَعُ إلى الثاني، ثم يُدْفَعُ إلى الثالثِ، إلَّا أن يَفْدِيَه الأوْسَطُ. ولَنا، أنَّهم تَساوَوْا في سَبَبِ تعَلُّقِ الحَقِّ به، فتَساوَوْا في الاسْتِحقاقِ، كما لو جَنَى عليهم دَفْعةً واحدةً، بل لو قُدِّمَ بعضُهم، كان الأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ حَقَّهُ أسْبَقُ، ولا يَصِحُّ القِياسُ على المِلْكِ، فإنَّ حَقَّ المَجْنِىِّ عليه أقْوَى، بدليلِ أنَّهما لو وُجِدَا دَفْعةً واحدةً، قُدِّمَ حَقُّ (١٥) المَجْنِىِّ عليه، ولأنَّ حَقَّ المَجْنِىِّ عليه ثَبَتَ بغيرِ رِضَى صاحِبِه عِوَضًا، وحَقَّ المالِكِ ثَبَتَ برِضَاه أو بغيرِ عِوَضٍ، فافْتَرَقَا.

فصل: وإن أعْتَقَ السَّيِّدُ عبدَه الجانِى، عَتَقَ، وضَمِنَ ما تَعَلّقَ به من الأرْشِ؛ لأنَّه أتْلَفَ مَحَلَّ الجِنايةِ على مَنْ تَعَلّقَ حَقُّه به، فلَزِمَه غَرَامَتُه، كما لو قَتَلَه. ويَنْبَنِى قَدْرُ الضَّمانِ على الرِّوايتَيْنِ، فيما إذا اختارَ إمْساكَه بعدَ الجِنايةِ؛ لأنَّه امْتَنَعَ من تَسْلِيمِه بإعْتاقِه، فهو بمنزلةِ امْتِناعِه من تَسْلِيمِه باخْتِيارِ فِدَائِه. ونَقَلَ ابنُ منصورٍ عن أحمدَ، أنَّه إن أعْتَقَه، عالِمًا بجِنايتِه، فعليه الدِّيَةُ، يَعْنِى دِيةَ المَقْتُولِ، وإن لم يَكُنْ عالِمًا بجنايتِه، فعليه قِيمَةُ العَبْدِ؛ وذلك لأنَّه إذا أعْتَقَه مع العلمِ، كان مُخْتارًا لفِدائِه، بخِلافِ ما إذا لم يَعْلَمْ، فإنَّه لم يَخْتَرِ الفِداءَ؛ لعَدَمِ عِلْمِه به، فلم يَلْزَمْه أكثرُ من قِيمةِ ما فَوَّتَه.

فصل: فإنْ باعَه، أو وَهَبَه، صَحَّ بَيْعُه؛ لما ذكَرْنا في البَيْعِ، ولم يَزُلْ تَعَلُّقُ الجِنايةِ عن رَقَبَتِه، فإن كان المُشْتَرِى عالمًا بحالِه، فلا خِيارَ له؛ لأنَّه دخَلَ على بَصِيرةٍ، ويَنْتَقِلُ


(١٣) في ب: "جنايته".
(١٤) سقط من: م.
(١٥) في م: "لحق".

<<  <  ج: ص:  >  >>