للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن أَوْصَى بِنَصِيبِ وارِثٍ، ففيها وَجْهانِ؛ أحدهما، تَصِحُّ الوَصِيَّةُ، ويكونُ ذلك كالوَصِيَّةِ بمثلِ نَصِيبِه. وهذا قولُ مالكٍ، وأهلِ المَدِينةِ، واللُّؤْلُؤِىّ، وأهْلِ البَصْرةِ، وابنِ أبِى لَيْلَى، وزُفَر، ودَاوُدَ. والوَجْهُ الثاني، لا تَصِحُّ الوَصِيّةُ. وهو الذي ذَكَره القاضي. وهو قولُ أصْحابِ الشافِعِىِّ، وأبى حَنِيفةَ، وصاحِبَيْه؛ لأنَّه أَوْصَى بما هو حَقٌّ للابْنِ، فلم يَصِحّ، كما لو قال: بِدَارِ ابْنِى، أو بما يَأْخُذُه ابْنِى. ووَجْهُ الأَوَّلِ، أنَّه أمْكَنَ تَصْحِيحُ وَصِيَّتِه بِحَمْلِ لَفْظِه على مَجَازِه، فصَحَّ، كما لو طَلَّقَ بِلَفْظِ الكِنَايةِ، أو أعْتَقَ. وبَيانُ إمْكانِ التَّصْحِيحِ، أنَّه أمْكَنَ تَقْدِيرُ حَذْفِ المُضافِ، وإقَامةُ المُضافِ إليه مُقامَه، أي بمثلِ نَصِيبِ وَارِثِى. ولأنَّه لو أَوْصَى بجَمِيعِ مالِه، صَحَّ، وإن تَضَمَّنَ ذلك الوَصِيّةَ بِنَصِيبِ وُرَّاثِه كُلِّهم.

فصل: وإن قال: أَوْصَيْتُ لك بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِى. فله مِثْلَا نَصِيبِه. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال أبو عُبَيْدةَ القاسِمُ بن سَلَّامٍ: الضِّعْفُ المِثْل. واسْتَدَلَّ بقولِ اللَّه تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} (٦). أي مِثْلَيْنِ، وقوله: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} (٧). أي مِثْلَيْنِ، وإذا كان الضِّعْفانِ مِثْلَيْنِ، فالواحِدُ مِثْلٌ. ولَنا، أنَّ الضِّعْفَ مِثْلَانِ، بِدَلِيلِ قولِه تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} (٨). وقال: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} (٩). وقال: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (١٠). ويُرْوَى عن عُمَرَ، أنَّه أضْعَفَ الزَّكاةَ على نَصَارَى بَنِى تَغْلِبَ، فكان يَأْخُذُ من المائتَيْنِ عَشَرَةً. وقال لِحُذَيْفَةَ وعثمانَ بن حُنَيْفٍ: لَعَلَّكُما حَمَّلْتُما الأَرْضَ ما لا تطِيقُ؟ فقال عثمانُ: لو


(٦) سورة الأحزاب ٣٠.
(٧) سورة البقرة ٢٦٥.
(٨) سورة الإسراء ٧٥.
(٩) سورة سبأ ٣٧.
(١٠) سورة الروم ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>