وإن كان مُعْسِرًا فقد عَتَقَ منه ما مَلَكَ وحدَه. وكلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا: تكون أُمَّ وَلَدٍ. فإنَّها تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ ههُنا. سواءٌ كان مُوسِرًا أو مُعْسِرًا، على قول الخِرَقِىِّ، كما إذا اسْتَوْلَدَ الأمَةَ المُشْتَركَةَ. وقال القاضي: يَصِيرُ منها أُمُّ وَلَدٍ بِقَدْرِ ما مَلَكَ منها. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ.
هذا قولُ أكْثَر أهْلِ العِلْم. رُوِى ذلك عن عليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه. وبه قال الزُّهْرِىُّ، وحَمَّادُ بن أبي سليمانَ، ورَبِيعةُ، ومالِكٌ، والشافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال الحَسَنُ: تكونُ لِوَلَدِ المُوصَى له. وقال عَطَاءٌ: إذا عَلِمَ المُوصِى بمَوْتِ المُوصَى له، ولم يَحْدُثْ فيما أَوْصَى به شَيْئًا، فهو لِوَارِثِ المُوصَى له؛ لأنَّه ماتَ بعدَ (١) عَقْدِ الوَصِيَّةِ، فيَقُومُ الوارِثُ مَقَامَه، كما لو ماتَ بعد مَوْتِ المُوصِى وقبلَ القَبُولِ. ولَنا، أنَّها عَطِيّةٌ صادَفَتِ المُعْطَى مَيِّتًا، فلم تَصِحَّ، كما لو وَهَبَ مَيِّتًا؛ وذلك لأنَّ الوَصِيّةَ عَطِيّةٌ بعدَ المَوْتِ، وإذا ماتَ قبل القَبُولِ بَطَلَتِ الوَصِيّةُ أيضًا. وإن سَلَّمْنا صِحَّتَها، فإنَّ العَطِيّةَ صادَفَتْ حَيًّا، بخِلَافِ مَسْأَلَتِنا.
فصل: ولا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ لِمَيِّتٍ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافِعِىُّ. وقال مالِكٌ: إن عَلِمَ أنَّه مَيِّتٌ، فهى جائِزَةٌ، وهى لِوَرَثَتِه بعدَ قَضَاءِ دُيُونِه وتَنْفِيذِ وَصَايَاه؛ لأنَّ الغَرَضَ نَفْعُه بها، وبهذا يَحْصُلُ له النَّفْعُ، فأشْبَهَ ما لو كان حَيًّا. ولَنا، أنَّه أَوْصَى لمن لا تَصِحُّ الوَصِيّةُ له، إذا لم يَعْلَمْ حالَه، فلم تَصِحَّ إذا عَلِمَ حالَه، كالبَهِيمةِ. وفارَقَ الحَىَّ؛ فإنَّ الوَصِيّةَ تَصِحُّ له في الحالَيْنِ، ولأنَّه عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلى القَبُولِ، فلم يَصِحَّ لِلْمَيِّتِ، كالهِبَةِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإذا أَوْصَى بِثُلُثِه، أو بمائةٍ لِاثْنَيْنِ حَىٍّ ومَيِّتٍ، فلِلْحَىِّ