للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَمْلِ بعدَ الوَصِيَّةِ، فيَحْتَمِلُ أنَّها حَمَلَتْه بعدَها فلم يَتَنَاوَلْه. والأَصْلُ عَدَمُ الحَمْلِ حالَ الوَصِيَّةِ، فلا نُثْبِتُه بالشّكِّ، فيكونُ مَمْلُوكًا لِلمُوصِى إن وَلَدَتْه في حَياتِه. وإن وَلَدَتْه بعدَه، وقُلْنا: لِلْحَمْلِ حُكْمٌ. فكذلك. وإن قُلْنا: لا حُكْمَ له. فهو لِلْوَرَثةِ إن وَلَدتْه قبلَ القَبُولِ، ولا بَيِّنةَ إن وَضَعَتْه بعدَه. وكلُّ مَوْضِعٍ كان الوَلَدُ لِلمُوصَى له، فإنَّه يَعْتِقُ عليه؛ لأنَّه ابْنُه، وعليه وَلَاءٌ لأَبِيه؛ لأنَّه عَتَقَ عليه بالقَرَابةِ، وأُمُّه أمَةٌ يَنْفَسِخُ نِكَاحُها بالمِلْكِ، ولا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؛ لأنَّها لم تَعْلَقْ منه بِحُرٍّ في مِلْكِه. الحال الثالث، أن تَحْمِلَ بعد مَوتِ المُوصِى وقبلَ القَبُولِ، ويُعْلَمُ ذلك بأن تَضَعَه لأَكْثَرَ من سِتّةِ أشْهُرٍ من حينِ المَوْتِ، فإن وَضَعَتْه قبلَ القَبُولِ أيضًا، فهو لِلْوارِثِ، في ظاهِرِ المَذْهَبِ؛ لأنَّ المِلْكَ إنَّما ثَبَتَ لِلمُوصَى له بعدَ القَبُولِ. وعلى الوَجْهِ الآخَر، يكونُ لِلْمُوصَى له. وإن وَضَعَتْه بعدَ القَبُولِ، فكذلك؛ لأن الظاهِرَ أنَّ لِلْحَمْلِ حُكْمًا، فيكونُ حادِثًا على (١٠) مِلْكِ الوارِثِ. وعلى الوَجْهِ الآخَرِ، يكونُ لِلْمُوصَى له، فعلى هذا يكون حُرًّا لا وَلَاءَ عليه؛ لأنَّها أُمُّ وَلَدٍ، لكَوْنِها عَلِقَتْ منه بِحُرٍّ في مِلْكِه، فيَصِيرُ كما لو حَمَلَتْ به بعدَ القَبُولِ. ومَذْهَبُ الشافِعِىِّ في هذا الفَصْلِ قَرِيبٌ ممَّا قُلْناه. وقال أبو حنيفةَ: إذا وَضَعَتْه بعدَ مَوْتِ المُوصِى، دَخَلَ في الوَصِيَّةِ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّها تَسْتَقِرُّ بالمَوْتِ وتَلْزَمُ، فوَجَبَ أن تَسْرِىَ إلى الوَلَدِ، كالاسْتِيلادِ. ولَنا، أنَّها زِيادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ حادِثَةٌ بعدَ عَقْدِ الوَصِيَّةِ، فلا تَدْخُلُ فيها، كالكَسْبِ، وإذا أَوْصَى بِعِتْقِ جارِيَةٍ فوَلَدَتْ. وتُفَارِقُ الاسْتِيلادَ؛ لأنَّ له تَغْلِيبًا وسِرَايةً. وهذا التَّفْرِيعُ فيما إذا خَرَجَتِ الجارِيَةُ من الثُّلُثِ، وإن لم تَخْرُجْ من الثُّلُثِ، مَلَكَ منها بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وانْفَسَخَ النِّكاحُ؛ لأنَّ مِلْكَ بعضِها يَفْسَخُ النِّكاحَ، كمِلْكِ جِمِيعِها. وكلُّ مَوْضِعٍ يكونُ الوَلَدُ فيه لِأبِيه، فإنَّه يكون له (١١) منه ههُنا بِقَدْرِ ما مَلَكَ من أُمِّهِ، ويَسْرِى العِتْقُ إلى باقِيه إن كان مُوسِرًا،


(١٠) في م: "عن".
(١١) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>