للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَهُ، ولأنَّ فيه تَضْيِيعًا لِلْمَالِ في غير فَائِدَةٍ، وإفْرَاطًا في تَعْظِيمِ القُبُورِ أشْبَهَ تَعْظِيمَ الأصْنَامِ، ولا يجوزُ اتِّخَاذُ المَساجدِ على القُبُورِ لهذا الخَبَرِ؛ ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". يُحَذِّرُ مثلَ ما صَنَعُوا. مُتَّفَقٌ عليه (٣٤). وقالت عائشةُ: إنما لم يُبْرَزْ قَبْرُ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لئَلَّا يُتَّخَذَ مَسْجِدًا (٣٥). ولأنَّ تَخْصِيصَ القُبُورِ بالصَّلَاةِ عندَها يُشْبِهُ تَعْظيم الأصْنَامِ بالسُّجُودِ لها، والتَّقَرُّبِ إليها، وقد رَوَيْنا أنَّ ابْتِدَاءَ عِبَادَةِ الأصْنَامِ تَعْظِيمُ الأمْواتِ، باتِّخَاذِ صُوَرِهم، ومَسْحِها، والصَّلَاةِ عندَها (٣٦).

فصل: والدَّفْنُ في مَقابِرِ المُسْلِمِينَ أَعْجَبُ إلى أبي عبدِ اللهِ من الدَّفْنِ في البُيُوتِ؛ لأنَّه أقَلُّ ضَرَرًا على الأحْياءِ من وَرَثَتِه، وأشْبَهُ بمَساكِن الآخِرَةِ، وأكْثَرُ لِلدُّعاءِ له، والتَّرَحُّمِ عليه. ولم يَزَلِ الصَّحابَةُ والتَّابِعُونَ ومَن بَعْدَهم يُقْبَرُونَ في الصَّحَارَى. فإن قيل: فالنَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قُبِرَ في بَيْتِه، وقُبِرَ صَاحِباهُ معه؟ قُلْنا: قالت عائشةُ: إنَّما فُعِلَ ذلك لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا. رَوَاهُ البُخَارِىُّ (٣٧). ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَدْفِنُ أصْحابَهُ في البَقِيعِ، وفِعْلُهُ أوْلَى من فِعْلِ غيرِه، وإنَّما أصْحابه رَأوْا تَخْصِيصَه بذلك. ولأنَّه رُوِى: "يُدْفَنُ الأَنْبِيَاءُ حيثُ يَمُوتُونَ" (٣٨). وصِيَانَةً له (٣٩) عن كَثْرَةِ الطُّرَّاقِ، وتَمْييزًا له عن غَيْرِه.


= ١/ ٥٠٢. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٢٩، ٢٨٧، ٣٢٤، ٣٣٧، ومختصرا في: ٢/ ٣٣٧، ٣٥٦، ٣/ ٤٤٢، ٤٤٣.
(٣٤) تقدم تخريجه في ٢/ ٤٧٤.
(٣٥) انظر مواضع تخريج الحديث السابق عند البخاري، الموضع الثاني والثالث.
(٣٦) يشير المصنف إلى ما رواه البخاري عن ابن عباس، في: تفسير سورة نوح، من كتاب التفسير. صحيح البخاري ٦/ ١٩٩.
(٣٧) تقدم تخريجه في ٢/ ٤٧٤.
(٣٨) أخرج نحوه ابن ماجه، في: باب ذكر وفاته ودفنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه ١/ ٥٢١.
(٣٩) في م: "لهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>