للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّهُما تَسَاوَيا فيما يَرْجِع إلى المُخْتلَفِ فيه، وهو مِلْكُ العَيْنِ الآن، فوجَبَ تَساوِيهما فى الحُكْمِ. والثَّانية، تُقَدَّمُ بيِّنَةُ النِّتاجِ وما فى مَعْنَاه. وهو مَذهبُ أبى حَنِيفة؛ لأنَّها تتضَمَّنُ زِيادَة علْمٍ، وهو معْرِفةُ السَّبَبِ، والأُخْرَى خَفِىَ عليها ذلك، فيَحْتَمِلُ أَنْ تكونَ شهادَتُهما مُسْتَنِدَةً إِلى مُجَرَّدِ اليَدِ والتَّصَرُّفِ، فتُقَدَّمُ الأولَى عليها، كتَقْديمِ (١٢) بَيِّنَةِ الجَرْحِ على التَّعْدِيلِ. وهذا قَوْلُ القاضى فيما إذا كانَتِ العَيْنُ فى يَدِ غيرِهما.

فصل: فإنْ شهِدَتْ (١٣) إحدَاهما أنَّها له منذُ سَنَةٍ، وشَهِدَتِ الأُخْرَى أنَّها له منذُ سَنَتَيْن، فظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ التَّسْوِيةُ بينهما، وهو أحَدُ قوْلَى الشَّافِعِىِّ. وقال القاضى: قِياسُ المذهبِ تَقْديمُ أقْدَمِهما تارِيخًا. وهو قَوْلُ أبى حنيفة، والقَوْلُ الثَّانِى للشَّافِعِىِّ، لأنَّ المُتَقَدِّمة التاريخ، أثْبَتَتِ المِلْكَ له فى وَقْتٍ لم تُعارِضْه فيه (١٤) البيِّنَةُ الأُخْرَى، فيثْبُتُ المِلْكُ فيه، ولهذا له المُطالَبةُ بالنَّماءِ فى ذلك الزَّمانِ، وتعارَضَتِ الْبَيِّنَتَان فى المِلْكِ فى الحالِ، فسَقَطَتَا، وبَقِىَ مِلْكُ السَّابقِ تجِبُ اسْتِدَامَتُه، وأنْ لا يثْبُتَ لغيرِه مِلْكٌ، إِلَّا من جِهَتِه. وَوْجُه قَوْلِ الْخِرَقِىِّ، أَنَّ الشَّاهِدَ بالمِلْكِ الحادِثِ أحَقُّ بالتَّرجِيحِ؛ لجوازِ أَنْ يَعْلَمَ به (١٤) دُونَ الأوَّلِ، ولهذا لو ذَكَرَ أنَّه اشْتَراه من الآخَرِ، أو وَهَبَه له، لَقُدِّمت بَيِّنَتُه اتِّفَاقًا، فإذا لم ترَجَّحْ بهذا، فلا أقَلَّ من التَّسَاوِى. وقولُهم: إنَّه يثْبُتُ المِلْكُ فى الزَّمَنِ الماضِى من غيرِ مُعارَضَةٍ. قُلْنا: إنَّما يثْبُتُ تَبَعًا لثُبُوتِه فى الحَالِ، ولو انْفَرَدَ بأن يَدَّعِىَ المِلْكَ فى الماضِى، لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ ولا بَيِّنَتُه، فإنْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُما وأُطْلِقَتِ الأُخْرَى، فهما سَوَاءٌ. ذَكَره القاضِى. وقال أبو الخَطَّاب: يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْكَمَ به لمنْ لم يُوَقِّتْ. وهو قَوْلُ أبى يوسفَ، ومحمدٍ. ولَنا، أنَّه ليس فى إحْدَاهما ما يَقْتَضِى التَّرْجِيحَ من تَقَدُّمِ المِلْكِ ولا غيرِه، فوَجَبَ اسْتِواؤُهما، كما لو أُطْلِقَتا، أو اسْتَوى تَارِيخُهما.

فصل: ولا تَرْجُحُ إحْدَى البَيِّنَتَيْنِ بكَثْرَةِ العَدَدِ، ولا اشْتهارِ العَدالةِ. وبهذا قال أبو


(١٢) فى أ، ب، م: "كتقدم".
(١٣) فى م: "شهد".
(١٤) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>