للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ عليه ضَرَرًا فيه، لِمَا يُفْضِى إليه مِن تَفْويتِ حُرِّيَّتِه، كما أَنَّ التَّبَرُّعَ لا يَلْزَمُه بإِذْنِ سَيِّدِه. وقال القاضِى: المُكاتَبُ كالعبدِ القِنِّ فى التَّكْفِيرِ، ومتى أذِنَ له سَيِّدُه [فى التَّكْفيرِ] (٢) بالمالِ، انْبَنَى على مِلْكِ العبدِ إذا مَلَّكَه سَيِّدُه؛ [فإنْ قُلْنا: لا يَمْلِكُ. لم يصِحَّ تَكْفيرُه بعِتْقٍ ولا إطْعامٍ ولا كِسْوَةٍ، سَواءٌ مَلَّكَه سَيِّدُه] (٣) أو لم يُمَلِّكْه، وسَواءٌ أذِنَ فيه أو لم يأذَنْ؛ لأَنَّه يكفِّرُ بما ليس بمَمْلُوكٍ له، فلم يصِحَّ. وإِنْ قُلْنا: يَمْلِكُ بالتَّمْلِيكِ. صَحَّ تَكْفِيرُه بالطَّعامِ إذا أذِنَ فيه. وإِنْ أذِنَ له فى التَّكْفِيرِ بالعِتْقِ، فهل يصِحُّ؟ على رِوَايَتَيْن، سَبَقَ ذِكْرُهما فى تَكْفيرِ العَبْدِ (٤). والصَّحِيحُ أَنَّ هذا التَّفْصِيلَ لا يتَوجَّهُ فى المُكاتَبِ؛ لأَنَّه يَمْلِكُ المالَ، بغيرِ خِلافٍ، وإنَّما مِلْكُه ناقِصٌ؛ لتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّده به، فإذا أذِنَ له سَيِّدُه فيه، صَحَّ، كالتَّبَرُّعِ.

١٩٩٩ - مسألة؛ قال: (وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ فِى الْكِتَابَةِ، يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا)

وجملتُه أنَّه يصِحُّ مُكاتَبةُ الأَمَةِ، كما تَصِحُّ مُكاتَبةُ العبدِ. لا خِلافَ بينَ أهْلِ العلمِ فيه. وقد دَلَّ عليه حَدِيثُ بَرِيرَةَ (١)، وحديثُ جُوَيْريةَ بنتِ الحارِثِ (٢). ولأَنَّها داخِلَةٌ فى عُمومِ قولِه: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}. ولأنَّها يُمْكِنُها التَّكَسُّبُ والأَداءُ، فهى كالعبدِ. وإذا أتَتِ المُكاتَبةُ بوَلَدٍ مِن غيرِ سَيِّدِها، إمَّا مِن نِكاحٍ أو غيرِه، فهو تابِعٌ لها، مَوْقوفٌ على عِتْقِها، فإنْ عَتَقَت بالأدَاءِ أو الإِبْراءِ، عَتَقَ، وإِنْ فُسِخَتْ كِتابَتُها، وعادَتْ إلى الرِّقِّ، عادَ رَقِيقًا. وهذا قولُ شُرَيْح، ومالِكٍ، وأبى حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ، وإسْحاقَ. وسَواءٌ فى هذا ما كان حَمْلًا حالَ الكتابةِ، وما حَدَثَ بعدَها. وقال أبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: هو عبدٌ قِنٌّ، لا يَتْبَعُ أُمَّه.


(٢) فى الأصل: "بالتكفير".
(٣) سقط من: ب. نقل نظر.
(٤) تقدم فى: ١١/ ١٠٦.
(١) تقدم تخريج حديث بريرة، فى: ٦/ ٣٢٩، ٨/ ٣٥٩، ٣٦٠.
(٢) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>