للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّما يَحْلفُ على هذا، ولا يجوزُ للغَريِم أن يَحْلِفَ أَنَّ (٢) لى (٣) فى ذِمَّةِ المُدَّعَى عليه دَيْنًا، بالاتِّفاقِ، فلم يَجُزْ أن يَحْلِفَ على دَينِ غيرِه الذى لا فِعْلَ له فيه؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنَّما جَعَلَ اليَمِينَ للمالِكِ، ولا يَلْزَمُ على هذا الوكيلَ؛ لأنَّه يَحْلِفُ على فِعْلِ نفسِه؛ ولأنَّ الغَريمَ لو حَلَفَ مع الشَّاهدِ، ثم أَبَرْأَ الميِّتَ من الدَّينِ، لَرَجَعَ الدَّينُ إلى الوَرثةِ، ولو كان قد ثبَتَ له (٣) بيَمِينِه، لم يَرْجِعْ إليهم. وهكذا لو وَصَّى الميِّتُ لإِنسانٍ، ثم لم يَحْلِفِ الوَرثَةُ، لم يكُنْ للمُوصَى له أن يَحْلِفَ؛ لما ذكرْناه.

فصل: فإن حلَفَ أحدُ الابْنَيْنِ مع الشَّاهدِ، لم يَثْبُتْ من الدَّينِ إِلَّا قَدْرُ حِصَّتِه. وهكذا إذا ادَّعَى الوَرثةُ وَصِيَّةً لأِبيهمِ أو دَينًا، وأقاموا شاهدًا، لم يَثْبُتْ جَميعُه إِلَّا بأيْمانِ جَميعِهم. وإن حلَفَ بَعضُهم، ثبَتَ من الدَّينِ والوَصِيَّةِ بقَدْرِ حَقِّه، ولا يُشارِكُه فيه باقى الوَرثةِ؛ لأنَّه لا يَثْبُتُ لهم حَقٌّ بدُونِ أيمانِهم، ولا يجوزُ أن يَسْتحِقُّوا بيَمِينِ غيرِهم، ويَقْضِى مِن دَيْنِ أبيه بقَدْرِ ما ثَبَتَ له، فإن كان فى الوَرثةِ صَغيرٌ أو مَعتوهٌ، وُقِفَ حَقُّه، حتى يَبْلُغَ الصَّغيرُ ويَعْقِلَ المَعْتوهُ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ أن يْحلِفَ على حالِه، ولا يَحْلِفُ وَلِيُّه؛ لكَوْنِ اليَمِينِ لا تَدْخُلُها النِّيابةُ. وإن كان فيهم أخْرَسُ مَفهومُ الإِشارَةِ، حلَفَ وأُعْطِىَ حِصَّتَه، وإن لم تُفْهَمْ إشارَتُه، وُقِفَ حقَّه أيضًا. فإن ماتَ، أو ماتَ الصَّبِىُّ والمَعْتوهُ، قام وَرثتُهم مَقامَهم فى اليَمِينِ والاسْتحقاقِ. فإن طالبَ أولياؤُهما فى حَياتِهما بحَبْسِ المُدَّعَى عليه حتى يَبلُغَ الصَّبىُّ، ويُفيقَ المَجنونُ، ويَعْقِلَ الأخْرَسُ الإِشارةَ، أو بإقامةِ كَفيلٍ، لم يُجابُوا إلى ذلك؛ لأنَّ الحَبْسَ عذابٌ لا يُسْتحَقُّ على مَن لم يَثْبُتْ عليه حَقٌّ.

فصل: وتَركِةُ الميِّتِ يَثْبُتُ المِلْكُ فيها لوَرثتِه، وسواءٌ كان عليه دَينٌ أو لم يَكُنْ. نَصَّ عليه أحمدُ، فى مَن أفْلَسَ، ثم ماتَ، قال: قد انتقلَ المَبِيعُ (٤) إلى الوَرثةِ، وحصلَ مِلْكًا (٥) لهم. وبهذا قال الشَّافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إن كان الدَّينُ يَسْتغرِقُ التَّرِكَةَ، مُنِعَ نَقْلُها إلى الوَرثةِ، وإِنْ كان لا يَسْتغرِقُها، لم يُمْنَعِ انْتِقالُ شَىءٍ منها. وقال أبو سعيد الإِصْطَخْرِىُّ:


(٢) سقط من: م.
(٣) سقط من: أ، ب.
(٤) فى الأصل: "البيع".
(٥) فى أ، ب، م: "ملكه".

<<  <  ج: ص:  >  >>