للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاز؛ لما رُوِىَ أنَّ أبا ظَبْيَةَ حَجَمَ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأعْطاه أجْرَهُ، وأمَرَ مَوَالِيه أن يُخَفِّفُوا عنه مِن خَراجِه (١٦). وكان كثيرٌ من الصَّحابةِ يَضْرِبُونَ على رَقِيقِهم خَرَاجًا، فرُوِىَ أنَّ الزُّبَيْرَ كان له ألْفُ مملوكٍ، على كلِّ واحدٍ منهم كلَّ يومٍ دِرْهَمٌ (١٧). وجاء أبو لُؤْلُؤةَ أميرَ المؤمنين عمرَ بن الخطَّابِ، فسأَله أن يَسْأَلَ المُغِيرَةَ بن شُعْبةَ يُخَفِّفُ عنه من خَرَاجِه (١٨). ثم يَنْتَظِرُ، فإن كان ذا كَسْبٍ، فجَعَل (١٩) عليه بقَدْرِ ما يَفْضُلُ من كَسْبِه عن نفَقَتِه وخَراجِه شيءٌ، جاز، فإنَّ لهما به نَفْعًا، فإنَّ العَبْدَ يَحْرِصُ على الكَسْبِ، ورُبَّما فَضَلَ معه شيءٌ يزِيدُه في نفَقَتِه، ويَتَّسِعُ به. وإن وضَعَ عليه أكثرَ من كَسْبِه بعدَ نفَقَتِه، لم يَجُزْ. وكذلك إن كَلّفَ مَنْ لا كَسْبَ له (٢٠) المُخارَجةَ، لم يَجُزْ؛ لما رُوِىَ عن عثمانَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال: لا تُكَلِّفُوا الصَّغيرَ الكَسْبَ، فإنَّكم متى كَلَّفْتُمُوه (٢١) الكَسْبَ سَرَقَ، ولا تُكَلِّفُوا المرأةَ غيرَ ذاتِ الصَّنْعةِ الكَسْبَ، فإنَّكم متى كَلَّفْتُمُوها الكَسْبَ كَسَبَتْ بفَرْجِها (٢٢)، ولأنَّه متى كَلّفَ غيرَ ذى الكَسْبِ خَراجًا، كَلَّفَه ما يَغْلِبُه، وقد قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تُكَلِّفُوهُم مَا يَغْلِبُهم". ورُبّما حَمَلَه ذلك على أن يَأَتِىَ به من غيرِ وَجْهِه، فلم يَكُنْ للسَّيِّدِ أخْذُه.

فصل: وإذا مَرِضَ المملوكُ، أو زَمِنَ، أو عَمِىَ، أو انْقَطَعَ كَسْبُه، فعلى سَيِّدِه القِيامُ به، والإِنفاقُ عليه؛ لأنَّ نفقَتَه تجبُ بالمِلْكِ، ولهذا تجبُ مع الصِّغَرِ، والمِلْكُ باقٍ


(١٦) تقدم تخريجه، في: ٨/ ١٣٢.
(١٧) انظر: حلية الأولياء ١/ ٩٠.
(١٨) انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد ٣/ ٣٤٥, ٣٤٧.
(١٩) في ب، م: "فيجعل".
(٢٠) سقط من: ب.
(٢١) في م: "تكلفوه".
(٢٢) أخرجه الإِمام مالك، في: باب الأمر بالرفق بالمملوك، من كتاب الاستئذان. الموطأ ٢/ ٩٨١. والبيهقي، في: باب ما جاء في النهى عن كسب الأمة إذا لم تكن في عمل واصب، من كتاب النفقات. السنن الكبرى ٨/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>