للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وما لا يُشْتَرَطُ التَّماثُلُ فيه كالجِنْسَيْنِ، وما لا رِبًا فيه، يجوزُ بَيْعُ بَعْضِه بِبَعْضٍ كَيْلًا ووَزْنًا وجُزافًا، وهذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ؛ لِتَخْصِيصِهِ ما يُكالُ بِمَنْعِ بَيْعِه بشىءٍ من جِنْسِه وَزْنًا، وما يُوزَنُ بمَنْعِ بَيْعِه من جِنْسِه كَيْلًا. وهذا قولُ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أن بَيْعَ الصُّبْرَةِ من الطَّعامِ بالصُّبْرَةِ، لا يُدْرَى كم كَيْلُ هذه، ولا كَيْلُ هذه، من صِنْفٍ واحِدٍ، غيرُ جائِزٍ، ولا بَأْسَ به من صِنْفَيْنِ؛ اسْتِدْلالًا بقولِه عليه السَّلامُ: "فإذا اخْتَلَفَ الجِنْسَانِ فَبِيعُوا كيف شِئْتُمْ" (٧). وذَهَبَ جماعةٌ من أَصْحابِنا إلى مَنْعِ بَيْعِ المَكِيلِ بالمَكِيلِ جُزافًا، وبَيْعِ المَوْزونِ بالمَوْزونِ جُزَافًا. وقال أحْمَدُ، فى رِوايةِ مُحَمَّدِ بنِ الحَكَمِ: أكْرَهُ ذلك. قال ابنُ أبى موسى: لا خَيْرَ فيما يُكالُ بما يُكالُ جُزَافًا، ولا فيما يُوزَنُ بما يُوزَنُ جُزَافًا، اتَّفَقَتِ الأَجْناسُ أو اخْتَلَفتْ، ولا بَأْسَ بِبَيْعِ المَكيلِ بالمَوْزُونِ جُزَافًا، وقال ذلك القاضى والشَّريفُ أبُو جَعْفَرٍ، وذلك لأنَّ النبىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن بَيْعِ الطَّعامِ بالطَّعامِ مُجازَفَةً (٨). ولأنَّه بَيْعُ مَكِيلٍ بِمَكيلٍ، أشْبَهَ الجِنْسَ الواحدَ. ولنا، قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فإذا اخْتَلَفَتْ هذِهِ الأَصْنافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ" (٩). ولأنَّ قولَ اللهِ تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (١٠). عامٌّ خَصَّصْناه فى الجِنْسِ الواحِدِ الذى يَجِبُ التَّماثُلُ فيه، فَفِيمَا عداه يَجِبُ البَقاءُ على العُمومِ، ولأَنَّه يجوزُ التَّفاضُلُ فيه، فجَازَ جُزَافًا من الطَّرَفَيْنِ كالمَكِيلِ بالمَوْزُونِ، يُحَقِّقُه أنَّه إذا كان حقيقةُ الفَضْلِ لا يَمْنَعُ، فاحْتِمالهُ أولَى أن لا يَكونَ مانِعًا، وحَدِيثُهُم أرادَ به الجِنْسَ الواحِدَ؛ ولهذا جاء فى بعضِ أَلْفَاظِه: نَهَى أن تُباعَ الصُّبْرَةُ لا يُعْلَمُ مَكِيلُها


(٧) تقدم تخريجه فى صفحة ٦٢.
(٨) أخرجه النسائى، فى: باب بيع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٣٧. وعبد الرزاق، فى: باب المجازفة، من كتاب البيوع. مصنف عبد الرزاق ٨/ ١٣١.
(٩) تقدم تخريجه فى صفحة ٦٢.
(١٠) سورة البقرة ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>