للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ما يَقْتَضِيهِ من صِحَّةٍ وفَسادٍ. ولذلك لو باعَ بِثَمَنٍ وأطْلَقَ، وفى البِلادِ نُقُودٌ بَطَلَ، ولم يُحْمَلْ على نَقْدِ أقْرَبِ البلَادِ إليه، أمَّا إذا اشْتَرَى من إنْسانٍ شَيْئًا، فإنّه يَصِحُّ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّه مِلْكُه؛ لأنَّ اليَدَ دَلِيلُ المِلْكِ. وإذا باعَ لَحْمًا فالظَّاهِرُ أنَّه مُذَكًّى؛ لأنَّ المُسْلِمَ، فى الظَّاهِرِ، لا يَبِيعُ المَيْتَةَ.

فصل: فأمَّا إنْ باعَ نَوْعَيْنِ من مُخْتَلِفَىِ القِيمَةِ من جِنْسٍ، وبِنَوْعٍ واحِدٍ من ذلك الجِنْسِ، كَدِينارٍ مَغْرِبِىٍّ ودِينَارٍ سابُورِىٍّ، بِدِينَارَيْنِ مَغْرِبِيَّيْنِ، أو دِينَارٍ صَحِيحٍ وَدِينارٍ قُراضَةً (١٧)، بِدِينارَيْنِ صَحِيحَيْنِ، أو قُراضَتَيْنِ، أو حِنْطَةٍ حَمْراءَ وسَمْراءَ بِبَيْضَاءَ، أو تَمْرًا بَرْنِيًّا ومَعْقِلِيًّا بإبْرَاهِيمِىٍّ، فإنّه يَصِحُّ. قال أبو بكرٍ: وأَوْمَأَ إليه أحمدُ. واخْتارَ القاضِى أبُو يَعْلَى، أنَّ الحُكْمَ فيها كالتى قبلَها. وهو مذهبُ مَالِكٍ والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ العَقْدَ يَقْتَضِى انْقِسامَ الثَّمَنِ على عِوَضِه على حَسَبِ اخْتِلافِه فى قِيمَتِه كما ذَكَرْنا. ورُوِىَ عن أحمدَ مَنْعُ ذلك فى النَّقْدِ، وتَجْوِيزُه فى الثَّمَنِ. نَقَلَهُ أحمدُ بن القاسِمِ؛ لأنّ الأنْواعَ فى غيرِ الأثْمانِ يَكْثُرُ اخْتِلاطُها، ويَشُقُّ تَمْيِيزُها، فَعُفِىَ عنها بخِلافِ الأثْمانِ. ولنا، قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ مِثْلًا بمِثْلٍ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ مِثْلًا بمِثْلٍ". الحديث (١٨)، وهذا يَدُلُّ على إباحَةِ البَيْعِ عند وُجُودِ المُماثَلَةِ المُراعاةِ، وهى المَماثَلَةُ فى المَوْزُونِ وَزْنًا وفى المَكِيلِ كَيْلًا، ولأنَّ الجَوْدَةَ ساقِطَةٌ فى بابِ الرِّبَوِيَّاتِ، فيما قُوبِلَ بِجِنْسِه، فيما لو اتَّحَدَ النَّوْعُ فى كلِّ واحِدٍ من الطَّرَفَيْنِ، فكذلك إذا اخْتَلَفَا، واخْتِلافُ القِيمَةِ يَنْبَنِى على الجَوْدَةِ والرَّداءَةِ؛ لأنَّه باعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ مُتَسَاوِيًا فى الوَزْنِ، فصَحَّ، كما لو اتَّفَقَ النَّوْعُ، وإنَّما يُقْسَمُ العِوَضُ على المُعَوَّضِ فيما يَشْتَمِلُ على جِنْسَيْنِ، أو فى غيرِ الرِّبَوِيَّاتِ، بِدَلِيلِ ما لو باعَ نَوْعًا بِنَوْعٍ يَشْتَمِلُ على جَيِّدٍ ورَدِىءٍ.


(١٧) القراضة: ما سقط بالقرض، ومنه قراضة الذهب.
(١٨) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>