للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَرْبِيًّا، فإنَّه عَمَدَ قَتْلَه، وهو أحَدُ نَوْعَىِ الخَطَإِ. وهذا أصَحُّ. ولأصْحابِ الشافعيِّ وَجْهان، كهذَيْن.

فصل: وعَمْدُ الصَّبِىِّ والمجنونِ خَطَأٌ تَحْمِلُه العاقِلَةُ. وقال الشافعيُّ، في أحدِ قَوْلَيْه: لا تَحْمِلُه؛ لأنَّه عَمْدٌ يجوزُ تَأْدِيبُهما عليه، فأشْبَهَ القَتْلَ من البالِغِ. ولَنا، أنَّه لا يتَحَقَّقُ منهما كمالُ القَصْدِ، فتَحْمِلُه العاقِلَةُ، كشِبْهِ العَمْدِ، ولأنَّه قَتْلٌ لا يُوجِبُ القِصاصَ، لأجْلِ العُذْرِ، فأشْبَهَ الخطأَ وشِبْهَ العَمْدِ. وبهذا فارَقَ ما ذكَرُوه، ويَبْطُلُ ما ذكَرُوه بشِبْهِ العَمْدِ.

المسألة الثالثة: أنَّها لا تَحْمِلُ الصُّلْحَ. ومعناه أن يَدَّعِىَ عليه القَتْلَ، فيُنْكِرَه ويُصالِحَ المُدَّعِى على مالٍ، فلا تَحْمِلُه العاقِلَةُ؛ لأنَّه مالٌ ثَبَتَ (٩) بمُصالَحتِه واخْتِيارِه، فلم تحْمِلْه العاقِلةُ، كالذى ثَبَتَ باعْتِرافِه. وقال القاضي: معناه أنْ يُصالِحَ الأوْلِياءُ عن دَمِ العَمْدِ إلى الدِّيَةِ. والتَّفْسيرُ الأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ هذا عَمْدٌ، فيُسْتَغْنَى عنه بذِكْرِ العَمْدِ. وممَّن قال: لا تَحْمِلُ العاقِلةُ الصُّلْحَ. ابنُ عباسٍ، والزُّهْرِىُّ، والشَّعْبِيُّ، والثَّوْرِىُّ، واللَّيْثُ، والشافعيُّ. وقد ذكَرْنا حديثَ ابن عبَّاسٍ فيه، ولأنَّه لو حَمَلَتْه العاقِلَةُ، أدَّى إلى أن يُصالِحَ بمالِ غيرِه، ويُوجِبَ عليه حَقًّا بقَوْلِه.

المسألة الرابعة: أنَّها لا تَحْمِلُ (١٠) الاعْتِرافَ. وهو أن (١١) يُقِرَّ الإِنْسانُ على نَفْسِه بقَتْلٍ خَطَإٍ، أو شِبْهِ عَمْدٍ، فتَجِبُ الدِّيَةُ عليه، ولا تَحْمِلُه العاقِلَةُ، ولا نعلمُ فيه خِلافًا. وبه قال ابنُ عباسٍ، والشَّعْبِىُّ، والحسنُ، وعمرُ بن عبد العزيز، والزُّهْرِىُّ، وسليمانُ بن موسى، والثَّوْرِىُّ، ومالكٌ، والأوْزَاعىُّ، والشافعيُّ، وإسْحاقُ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وقد ذكَرْنا حديثَ ابنِ عباسٍ فيه، ولأنَّه لو وَجَبَ عليهم، لوَجَبَ بإقْرارِ


(٩) في الأصل: "يثبت".
(١٠) في م: "تحتمل".
(١١) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>