للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوَقعَ بها بِمُجَرَّدِها، كسائرِ كناياتِه. كقوله: انْكِحى مَن شِئْتِ. ولَنا، قولُ عائشةَ: قد خَيَّرَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أفكان (٦) طلاقًا! وقالت: لمَّا أُمِرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بتَخْييرِ أزْواجِه، بدأ بى، فقال: "إنِّى لَمُخْبِرُكِ خَبَرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِى حَتَّى تَسْتَأْمِرِى أَبَوَيْكِ". ثم قال: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}. حَتَّى بَلَغ: {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (٧) ". فقلتُ (٨): فى أىِّ هذا أسْتأمِرُ أُبَوَىَّ! فإنِّى أريدُ اللَّه ورسولَه والدَّارَ الآخرةَ. قالتْ: ثم فَعَلَ أزْوَاجُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ما فعلتُ. مُتَّفَقٌ عليهما (٩). قال مَسْروقٌ: ما أُبالِى خَيَّرْتُ امرأتى واحدةً، أو مِائَةً، أو ألفًا، بعدَ أن تختارَنِى. ولأنَّها مُخَيَّرَةٌ اخْتارتِ النِّكاحَ، فلم يَقَعْ بها الطَّلاقُ، كالمُعْتَقَةِ تحتَ عبدٍ. فأمَّا إن قالتْ: اخْتَرْتُ نفسِى. فيَفتقِرُ (١٠) إلى نِيَّتِها؛ لأنَّه لفظُ كنايةٍ منها. فإن نَوَى أحدُهما دونَ الآخَرِ، لم يَقَعْ؛ لأنَّ الزَّوجَ إذا لم يَنْوِ فما فوَّضَ إليها الطَّلاقَ، فلا يَصحُّ أن يُوقِعَه، وإن نَوَى ولم تَنْوِ هى، فقد فوَّضَ إليها الطَّلاقَ، فما أوْقعَتْه، فلم يَقَعْ شىءٌ، كما لو وكَّلَ وكيلًا (١١) فى الطَّلاقِ، فلم يُطَلِّقْ. وإن نَوَيا جميعًا، وقعَ ما نَوَياه مِنَ العَدَدِ إن اتَّفقا فيه، وإن نَوَى أحدُهما أقلَّ مِنَ الآخرِ، وقعَ الأقلُّ؛ لأنَّ ما زادَ انْفرَدَ به أحدُهما، فلم يَقَعْ.

فصل: وإن قال: أمْرُكِ بيدِك، أو اخْتارِى. فقالت: قَبِلْتُ. لم يَقَعْ شىءٌ؛ لأنَّ أمْرَك بيدِك. توكيلٌ، فقولُها فى جوابه: قبلتُ. يَنْصرِفُ إلى قبولِ الوكالةِ، فلم يَقَعْ شىءٌ، كما لو قال لأجْنَبِىٍّ: أمْرُ امرأَتِى بيَدِك. فقال: قبلتُ. وقولُه: اخْتارِى. فى معناه. وكذلك إنْ قالت: أخَذْتُ أمْرِى. نَصَّ عليهما أحمدُ، فى روايةِ إبراهيم بنِ


(٦) فى الأصل، ب، م: "فكان".
(٧) سورة الأحزاب ٢٨، ٢٩.
(٨) فى الأصل، ب، م: "فقالت".
(٩) تقدم تخريجهما فى صفحة ٣٨٧.
(١٠) فى الأصل، أ: "افتقر".
(١١) فى ب، م: "توكيلا".

<<  <  ج: ص:  >  >>