للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَتَمَّ قائِمًا، وأخَذَ في عَمَلِ القَضَاءِ، سجد بعدَ ما يَقْضِى. وذلك لأنَّه قامَ عن واجِبٍ إلى رُكْنٍ، أشْبَهَ القِيامَ عن التَّشَهُّدِ الأوَّلِ. وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ أنَّ فيهِ رِوَايَات ثلاثًا. وهذا أوْلَى، وهو مَنْصُوصٌ عليه بما قد رَوَيْنَاه.

فصل: ولَيْسَ على المَسْبُوقِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ سُجُودٌ لذلك، في قَوْلِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. ويُرْوَى عن ابنِ عمرَ، وابْنِ الزُّبَيْرِ، وأبى سَعِيدٍ، وعَطَاءٍ، وطَاوُسٍ، ومُجَاهِدٍ، وإسْحَاقَ، في مَن أدْرَكَ وَتْرًا من صَلَاةِ إمَامِه، سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لأنَّه يَجْلِسُ للتَّشَهُّدِ في غير مَوْضِعِ التَّشَهُّدِ. ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وما فَاتَكُم فَأتِمُّوا". وفي رِوَايةٍ "فاقْضُوا" (١٤). ولم يأْمُرْ بِسُجُودٍ، ولا نُقِلَ ذلك، وقد فاتَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْضُ الصَّلاةِ مع عبد الرحمنِ بن عَوْفٍ فقَضَى (١٥)، ولم يَكُنْ لذلك سُجُودٌ، والحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عليه. وقد جَلَسَ في غيرِ مَوْضِعِ تَشَهُّدِهِ، ولأنَّ السُّجُودَ يُشْرَعُ لِلسَّهْوِ، [ولا سَهْوَ] (١٦) ههنا، ولأنَّ مُتَابَعَةَ الإِمامِ وَاجِبَةٌ، فلم يَسْجُدْ لِفِعْلِها كسَائِرِ الواجباتِ.

فصل: ولا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِشَىْءٍ فَعَلَه أو تَرَكَه عَامِدًا. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافِعِىُّ: يَسْجُدُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ والقُنُوتِ عَمْدًا؛ لأنَّ ما تَعَلَّقَ الجَبْرُ بِسَهْوِهِ تَعَلَّقَ بِعَمْدِه، كجُبْرَاناتِ الحَجِّ. ولَنا، أنَّ السُّجُودَ يُضَافُ إلى السَّهْوِ، فيَدُلُّ على اخْتِصَاصِه به، والشَّرْعُ إنَّما وَرَدَ به في السَّهْوِ، فقال: "إذا نَسِىَ أحَدُكُم فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ". ولا يَلْزَمُ مِن انْجِبَارِ [السَّهْوِ به انْجِبَارُ] (١٧) العَمْدِ؛ لأنَّه مَعْذُورٌ في السَّهْوِ غيرُ مَعْذُورٍ في العَمْدِ، وما ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِزِيَادَةِ رُكْنٍ أو رَكْعَةٍ، أو قِيَامٍ في مَوْضِعِ جُلُوسٍ، أو جُلُوسٍ في مَوْضِعِ قِيَامٍ، ولا يُشْرَعُ لِحَدِيثِ النَّفْسِ؛


(١٤) تقدم في صفحة ١١٦.
(١٥) في م: "فقضاها".
(١٦) سقط من: ا، م.
(١٧) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>