للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا دَمَ عليه. وبهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وقال الكُوفِيُّونَ، وأبو ثَوْرٍ: عليه دَمٌ؛ لأنَّه بِالدَّفْعِ لَزِمَهُ الدَّمُ، فلم يَسْقُطْ بِرُجُوعِه، كما لو عادَ بعدَ غُرُوبِ الشمسِ. ولَنا، أنَّه أتَى بِالوَاجِبِ، وهو الجَمْعُ بين الوُقُوفِ في اللَّيْلِ والنَّهَارِ، فلم يَجِبْ عليه دَمٌ، كمن تَجاوَزَ المِيقَاتَ غيرَ مُحْرِمٍ، ثم رَجَعَ فأحْرَمَ منه. فإن لم يَعُدْ حتى غَرَبَتِ الشمسُ، فعليه دَمٌ؛ لأنَّ عليه الوُقُوفَ حالَ الغُرُوبِ، وقد فاتَهُ بِخُرُوجِه، فأشْبَهَ من تَجَاوَزَ المِيقاتَ غيرَ مُحْرِمٍ، فأحْرَمَ دُونَه، ثم عادَ إليه. ومن لم يُدْرِكْ جُزْءًا من النَّهَارِ، ولا جاءَ عَرَفَةَ، حتى غَابَتِ الشَّمْسُ، فوَقَفَ لَيْلًا، فلا شىءَ عليه، وحَجُّه تَامٌّ. لا نَعْلَمُ فيه (٣٣) مُخَالِفًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ [فَقَدْ أدْرَكَ الْحَجَّ] (٣٤) ". ولأنَّه لم يُدْرِكْ جُزْءًا من النَّهارِ، فأشْبَهَ مَنْ مَنْزِلُه دُونَ المِيقاتِ إذا أَحْرَمَ منه.

فصل: وَقْتُ الوُقُوفِ من طُلُوعِ الفَجْرِ يومَ عَرَفَةَ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ من يومِ النَّحْرِ. ولا نَعْلَمُ (٣٥) خِلافًا بين أهْلِ العِلْمِ في أنَّ آخِرَ الوَقْتِ طُلُوعُ فَجْرِ يومِ النَّحْرِ. قال جابرٌ: لا يَفُوتُ الحَجُّ حتى يَطْلُعَ الفجرُ من لَيْلَةِ جَمْعٍ. قال أبو الزُّبَيْرِ: فقلتُ له: أقالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك؟ قال: نعم. رَوَاهُ الأثْرَمُ (٣٦). وأمَّا أَوَّلُهُ فمِن طُلُوعِ الفجرِ يومَ عَرَفَةَ، فمن أدْرَكَ عَرَفَةَ في شيءٍ من هذا الوَقْتِ وهو عَاقِلٌ، فقد تَمَّ حَجُّه. وقال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ: أوَّلُ وَقْتِه زَوالُ الشَّمسِ (٣٧) يومَ عَرَفَةَ. واخْتَارَه أبو حَفْصٍ العُكْبَرِىُّ. وحُمِلَ عليه كلامُ الخِرَقِىِّ. وحَكَى ابنُ عبدِ


(٣٣) سقط من: ب، م.
(٣٤) سقط من: ب، م.
وتقدم تخريج الحديث في صفحة ٢٧٢.
(٣٥) في الأصل زيادة: "فيه".
(٣٦) أخرجه البيهقي، في: باب إدراك الحج بإدراك عرفة. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى ٥/ ١٧٤.
(٣٧) في ب، م زيادة: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>