للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالذى لم يَفْسُدْ، وإنَّما اخْتَصَّ التَّفْرِيقَ بمَوْضِعِ الجِماعِ، لأنَّه رُبَّما يذكرُه بِرُؤْيَةِ مَكانِه، فيَدْعُوهُ ذلك إلى فِعْلِه. ومَعْنَى التَّفَرُّقِ أن لا يَرْكَبَ معها فى مَحْمِلٍ، ولا يَنْزِلَ معها فى فُسْطَاطٍ ونَحْوهِ. قال أحمدُ: يَتَفَرَّقَانِ فى النُّزُولِ، وفى المَحْمِلِ والفُسْطَاطِ، ولكن يكون بِقُرْبِها (١٢). وهل يَجِبُ التَّفَرُّقُ (١٣) أو يُسْتَحَبُّ؟ فيه وَجْهانِ: أحدُهما، لا يَجِبُ. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه لا يَجِبُ التَّفَرُّقُ فى قَضاءِ رمضانَ إذا أفْسَدَهُ، كذلك الحَجُّ. والثانى: يَجِبُ؛ لأنَّه رُوِىَ عَمَّنْ سَمَّيْنا من الصَّحابَةِ الأمْرُ به، ولم نَعْرِفْ لهم مُخَالِفًا، ولأنَّ الاجْتِماعَ فى ذلك المَوْضِعِ يُذَكِّرُ الجِماعَ، فيكُونُ مِن دَوَاعِيهِ. والأوَّلُ أوْلَى؛ [لأنَّ حِكْمَةَ التَّفْرِيقِ الصِّيَانَةُ عمَّا يُتَوَهَّم من مُعَاوَدَةِ الوِقَاعِ عندَ تَذَكُّرِه بِرُؤْيَةِ مَكَانِه، وهذا وَهْمٌ بَعِيدٌ لا يَقْتَضِى الإيجابَ] (١٤).

فصل: والعُمْرَةُ فيما ذَكَرْنَاهُ كالحَجِّ، فإن كان المُعْتَمِرُ مَكِّيًّا، أحرَمَ بها من الحِلِّ، أحْرَمَ لِلْقَضاءِ من الحِلِّ، وإن كان أحْرَمَ بها من الحَرَمِ، أحْرَمَ لِلْقَضاءِ من الحِلِّ، ولا فَرْقَ بين المَكِّىِّ ومَن حَصَلَ (١٥) بها من المُجَاوِرِينَ. وإن أفْسَدَ المُتَمَتِّعُ عُمْرَتَهُ، ومَضَى فى فَاسِدِها، فأتَمَّهَا، فقال أحمدُ: يَخْرُجُ إلى المِيقَاتِ، فيُحْرِمُ منه لِلْحَجِّ، فإن خَشِىَ الفَواتَ أحْرَمَ من مَكَّةَ، وعليه دَمٌ، فإذا فَرَغَ من حَجِّه خَرَجَ إلى المِيقَاتِ فأحْرَمَ منه بِعُمْرَةٍ مَكانَ التى أفْسَدَها، وعليه هَدْىٌ يَذْبَحُه إذا قَدِمَ مَكَّةَ، لِمَا أفْسَدَ من عُمْرَتِه. ولو أفْسَدَ الحاجُّ حَجَّتَه، وأتَمَّها، فله الإحْرامُ بِالعُمْرَةِ من أدْنَى الحِلِّ، كالمَكِّيِّينَ.

فصل: وإذا أفْسَدَ القَضاءَ، لم يَجِبْ عليه قَضَاؤُهُ، وإنَّما يَقْضِى عن الحَجِّ الأوَّلِ، كما لو أفْسَدَ قَضاءَ الصلاةِ والصيامِ، وَجَبَ القَضَاءُ لِلْأَصْلِ، دُونَ القَضاءِ، كذا هاهُنا؛ وذلك لأنَّ الوَاجبَ لا يَزْدادُ بِفَوَاتِه، وإنَّما يَبْقَى ما كان وَاجِبًا فى الذِّمَّةِ علَى ما كان عليه، فيُؤَدِّيه القَضاءُ.


(١٢) فى أ، ب، م: "تقربها". تصحيف.
(١٣) فى أ، ب، م: "التفريق".
(١٤) سقط من الأصل.
(١٥) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>