للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك (١٥) لا يُسْتَوْفَى من الطَّرَفِ إلَّا في المَفْصِلِ الذي قَطَعَ الجانِي منه، ولا يجوزُ تَجاوُزُه، وفي النَّفْسِ لو قَتَلَه بجُرْحٍ في بَطْنِه أو جَنْبِه أو غيرِ ذلك، كان الاسْتِيفاءُ من العُنُقِ دون المَحَلِّ الذي وقَعَتِ الجِنايةُ فيه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّما يَجِبُ القِصاصُ على المُشْتركينَ في الطَّرَفِ، إذا اشترَكُوا فيه على وَجْهٍ لا يتَمَيَّزُ فِعْلُ أحَدِهم عن فِعْلِ الآخَرِ؛ إمَّا بأن يشْهدُوا عليه بما يُوجِبُ قَطْعَه، فيُقْطَعُ، ثم يَرْجِعُونَ عن الشَّهادةِ، أو يُكْرِهُوا إنسانًا على قَطْعِ طَرَفٍ، فيَجِبُ قَطْعُ المُكْرِهِينَ كلِّهم والمُكْرَه، أو يُلْقُوا صَخْرةً على طَرَفِ إنسانٍ، فيَقْطَعه، أو يَقْطَعُوا يَدًا، أو يَقْلَعُوا عَينًا، بضَرْبةٍ واحدةٍ، أو يَضَعُوا حَدِيدةً على مَفْصِلٍ، ويتَحامَلُوا عليها جميعًا، أو يَمُدُّوهَا، فتَبِينُ، فإن قَطَعَ كلُّ واحدٍ منهم من جانبٍ، أو قَطَعَ أحدُهم بعضَ المَفْصِلِ، وأتَمَّه غيرُه، أو ضَرَبَ كلُّ واحدٍ ضَرْبةً، أو وَضَعُوا مِنْشارًا على مَفْصِلِه، ثم مَدَّه كلُّ واحدٍ إليه مَرَّةً (١٦) حتى بانَتِ الْيَدُ، فلا قِصاصَ فيه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم (١٧) لم يَقْطَع اليَدَ، ولم يُشارِكْ في قَطْعِ جَمِيعِها، وإن كان فِعْلُ (١٨) واحدٍ منهم يُمْكِنُ الاقْتِصاصُ بمُفْرَدِه، اقْتُصَّ منه. وهذا مذهبُ الشافِعيِّ.

١٤٣٠ - مسألة؛ قال: (وَإذَا قَتَلَ الْأَبُ وغَيْرُهُ عَمْدًا، قُتِلَ مَنْ سِوَى الْأَبِ)

وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ. وعن أحمدَ، رِوايةٌ أُخْرَى، لا قِصاصَ على واحدٍ منهما. وهو قولُ أصْحابِ الرَّأْيِ؛ لأنَّه قَتْلٌ تَرَكَّبَ من مُوجِبٍ وغيرِ مُوجِبٍ، فلم يُوجِبْ، كقَتْلِ العامِدِ والخاطىءِ، والصَّبِيِّ والبالغِ، والمَجْنُونِ والعاقِلِ. ولَنا، أنَّه شارَكَ في القَتْلِ العَمْدِ العُدْوانِ مَن (١) يُقْتَلُ به لو انْفَرَدَ بقَتْلِه، فوَجَبَ عليه القِصاصُ،


(١٥) في ب: "وكذلك".
(١٦) في ب زيادة: "مرة".
(١٧) في ب: "منها".
(١٨) في الأصل، م: "قتل".
(١) في الأصل، م: "فيمن".

<<  <  ج: ص:  >  >>