للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدهُ"، والمَبِيتُ يكون في اللَّيلِ (٤٠) خاصَّةً، ولا يَصِحُّ قِياسُ غَيْرِه عَلَيْه لِوَجْهَيْنِ: أحدهما، أن الحُكْمَ ثَبَتَ تَعَبُّدًا، فلا يَصِحُّ تَعْدِيَتُه. الثاني، أن اللَّيْلَ مَظِنَّةُ النَّوْمِ والاسْتِغْراقِ فيه وطُولِ مُدَّته، فاحْتِمالُ إصَابةِ يَدِه لِنَجَاسةٍ لا يَشْعُر بها أَكْثرُ مِن احْتِمالِ ذلك في نَوْمِ النَّهَارِ. قال أحمد، في روايةِ الأَثْرَمِ: الحَدِيثُ في المَبِيتِ باللَّيْلِ، فأمَّا النَّهارُ فلا بَأْسَ بِهِ.

فصل: فإن غَمَسَ يَدَهُ في الإِناءِ قَبْلَ غَسْلِها، فعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُوجِبْ غَسْلَها، لا يُؤَثِّرُ غَمْسُها شيئًا، ومَنْ أَوْجَبَه قال: إن كان الماءُ كَثِيرًا يَدْفَعُ النَّجاسةَ عن نَفْسِه، لم يُؤَثِّرْ أيضًا؛ لأنه يَدْفَعُ الخَبَثَ عن نَفْسِه، وإن كان يَسِيرًا، فقال أَحمد: أعْجبُ إلىَّ أن يُهَرِيقَ الماءَ، فيَحْتَملُ أن تجبَ إراقتُه، وهو قولُ الحسن؛ لأنَّ النَّهْىَ عن غَمْسِ اليَدِ فيه يَدُلُّ عَلَى تأْثِيرِه فيه، وقد رَوَى أبو حَفْص عُمَر ابن المسلم العُكْبَرِىّ (٤١) في الخَبَرِ زِيادةً عن النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإنْ أَدْخَلَها قَبْلَ الغَسْلِ أَرَاقَ الماءَ". ويَحْتَمِلُ أنْ لا تَزُولَ طُهُورِيَّتهُ ولا تَجِبَ إرَاقَتُه؛ لأنَّ طُهُورِيَّةَ الماءِ كانت ثابِتَةً بِيَقِينٍ، والغَمْسُ المُحَرَّمُ لا يقْتَضِى إبْطَالَ طُهُوريَّتِهِ (٤٢)؛ لأنَّه إن كان لِوَهْمِ النَّجَاسةِ، فالوَهْمُ لا يَزُولُ به يَقِينُ الطُّهُورِيَّة، لأنَّه لم يُزِلْ يَقِينَ الطَّهارَةِ، فكذلك لا يُزِيلُ الطُّهُورِيَّة، فإنَّنا لم نَحْكُمْ بنَجاسةِ اليَدِ ولا الماءِ، ولأنَّ اليَقِينَ لا يَزُولُ بالشَّكِّ فَبِالْوَهْمِ أَوْلَى، وإن كان تَعَبُّدًا فنَقْتَصِرُ على مُقْتَضَى الأَمْرِ والنَّهْى، وهو وُجُوبُ الغَسْلِ وتَحْرِيم الغَمْسِ، ولا يُعَدَّى إلى غيرِ ذلك، ولا يَصِحُّ قِياسُه عَلَى رَفْع الحَدَثِ، لأنَّ هذا لَيْسَ بحَدَثٍ، ولأنَّ مِنْ شَرْطِ تَأْثِيرِ غَمْسِ المُحْدِثِ أن يَنْوِىَ رَفْعَ الحَدَثِ، ولا فَرْقَ ههُنَا بين أن يَنْوِىَ أو لا يَنْوِىَ.

وقال أبُو الخَطَّاب: إنْ غَمَسَ يَدَه في الماءِ قَبْل غَسْلِها، فَهَلْ تَبْطُلُ طُهُورِيَّتُه؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.


(٤٠) في م: "بالليل".
(٤١) هو أبو حفص عمر بن إبراهيم بن عبد اللَّه العكبرى الحنبلى، يعرف بابن المسلم، معرفته بالمذهب المعرفة العالية، وله التصانيف السائرة، توفى سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. طبقات الحنابلة ٢/ ١٦٣ - ١٦٦.
(٤٢) في أ: "طهورية الماء".

<<  <  ج: ص:  >  >>