للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهما. ولَنا، أنَّه تَلِفَ بما أخْرَجَه إلى هواءِ (٥٨) الطَّريقِ، فضَمِنَه، كما لو بَنَى حائِطَه مائلًا إلى الطريقِ فأتْلفَ، أو أقَامَ خَشَبةً في مِلْكِه مائلةً إلى الطريقِ، أو كما لو سَقَطَتِ الخَشَبةُ التي ليستْ مَوْضُوعةً على الحائطِ، ولأنَّه إخْراجٌ يَضْمَن به البَعْضَ، فضَمِنَ به الكُلَّ، كالذى ذكَرْنا، ولأنَّه تَلِفَ بعُدْوانهِ، فضَمِنَه، كما لو وضَعَ البناءَ على أرْضِ الطريقِ، والدليلُ على عُدْوانِه، وُجُوبُ ضَمانِ البعضِ، ولو كان مُباحًا لم يَضْمَنْ به، كسائرِ المُباحاتِ، ولأنَّ هذه خَشَبةٌ، لو انقَصَفَ الخارِجُ منها، وسَقَطَ فأتْلَفَ، ضَمِنَ ما أتْلَفَ (٥٩)، فيَجِبُ أن يَضْمَنَ ما أتْلَفَ جميعُها، كسائرِ المواضِعِ التي يَجِبُ الضمانُ فيها، ولأنَّنا لم نَعْلَمْ مَوْضِعًا يَجِبُ الضمانُ كلُّه بِبَعْضِ الخَشَبةِ، ويَجِبُ نِصْفُه بجَمِيعِها. وإن كان إخراجُ الجَناحِ إلى دَرْبٍ غيرِ نافِذٍ بغيرِ إذْنِ أهْلِه، ضَمِنَ ما أتْلَفَه، وإن فَعَلَ ذلك بإذْنِهِم، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه مُباحٌ له غيرُ مُتَعَدٍّ (٦٠) فيه.

فصل: وإن أخْرَجَ مِيزَابًا إلى الطريقِ، فسَقَطَ على إنسانٍ أو شيءٍ فأتْلَفَه، ضَمِنَه. وبهذا قال أبو حنيفة. وحُكِىَ عن مالكٍ، أنَّه لا يَضْمَنُ ما أتْلَفَه؛ لأنَّه غيرُ مُتَعَدٍّ بإخْراجِه، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، كما لو أخْرَجه إلى مِلْكِه. وقال الشافعيُّ: إن سَقَطَ كلُّه، فعليه نِصْفُ الضَّمانِ؛ لأنَّه تَلِفَ بما وضَعَه على مِلْكِه ومِلْكِ غيرِه. وإن انْقَصَفَ المِيزابُ، فسَقَطَ منه ما خَرَجَ عن الحائطِ، ضَمِنَ جميعَ ما تَلِفَ به؛ لأنَّه كلَّه في غيرِ مِلْكِه. ولَنا، ما سَبَقَ في الجناحِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ إخْراجَه مُباحٌ، فإنَّه أخْرَجَ إلى هواءِ مِلْكِ غيرِه شيئًا يَضُرُّ به، فأشْبَهَ ما لو أخْرَجَه إلى مِلْكِ آدَمِىٍّ مُعَيَّنٍ بغيرِ إذْنِه، فأمَّا إن أخْرَجَ إلى مِلْكِ آدَمىٍّ مُعَيَّنٍ شيئًا من جَناحٍ، أو سَاباطٍ، أو مِيزَابٍ، أو غيرِه، فهو مُتَعَدٍّ، ويَضْمَنُ ما تَلِفَ به. لا أعْلَمُ فيه خِلافًا.

فصل: وإذا بالَتْ دابَّتُه في طريقٍ، فزَلَقَ به حَيَوانٌ، فمات به، فقال أصحابُنا:


(٥٨) في ب، م: "حق".
(٥٩) في الأصل: "أتلفت".
(٦٠) في ب، م: "معتد".

<<  <  ج: ص:  >  >>