للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ثَبَتَ هذا، فالمُبارَزَةُ تَنْقَسِمُ ثلاثةَ أقسامٍ؛ مُسْتَحَبَّةٍ، ومُباحَةٍ، ومكرُوهَةٍ، أمَّا المُسْتَحَبَّةُ؛ فإذا خَرَجَ عِلْجٌ يطْلُبُ البِرازَ، اسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِه القُوَّةَ والشَّجاعَةَ، مُبارَزَتُه بإِذْنِ الأمِيرِ؛ لأنَّ فيه رَدًّا عن المسلمين، وإظْهارًا لقُوَّتِهم. والمُباحُ؛ أنْ يبتَدِىءَ الرجُلُ الشُّجاعُ بطلَبِها، فيُباحُ ولا يُسْتَحَبُّ؛ لأنَّه لا حاجةَ إليها، ولا يأْمَنُ أنْ يُغْلَبَ، فيَكْسِرَ قُلوبَ المسلمين, إلَّا أنَّه لمَّا كان شُجاعًا واثِقًا من نَفْسِه، أُبِيحَ له؛ لأنَّه بحُكْمِ الظاهِرِ غالِبٌ، والمكرُوهُ أن يَبْرُزَ الضَّعِيفُ المُنَّةِ (١٥)، الذي لا يَثِقُ من نَفْسِه، فتُكْرَهُ له المُبْارَزَةُ؛ لما فيه من كَسْرِ قلوبِ المسلمين بقتْلِه (١٦) ظاهِرًا.

فصل: إذا خرَجَ كافِرٌ يطبُ البِرازَ، جازَ رَمْيُه وقَتْلُه؛ لأنَّه مُشْرِكٌ لا عَهْدَ له، ولا أمانَ له، فأُبِيحَ قَتْلُه كغَيْرِه، إلَّا أنْ تكونَ العادةُ جارِيةً بينهم (١٧) أنَّ مَنْ خرجَ يطلبُ المُبارَزَةَ لا يُعْرَضُ له، فيَجْرِى ذلك مَجْرَى الشَّرْطِ. وإذا خرجَ إليه أحدٌ يبارِزُه بشَرْطِ أن لا يُعِينَه عليه سِوَاهُ، وجبَ الوفاءُ بشَرْطِه؛ لأنَّ المؤمنين عندَ شُرُوطِهم، فإن انْهَزَمَ المسلمُ تاركًا للقتالِ، أو مُثْخَنًا بجراحتِه، جازَ لكُلِّ أحَد قِتالُه (١٨)؛ لأنَّ المسلِمَ إذا صارَ إلى هذه الحالِ، فقد انْقَضَى قتالُه، وإنْ كان المسلمُ شرطَ عليه أن لا يُقاتِلَ حتى يرْجِعَ إلى صَفِّهِ وَفَّى له بالشَّرْطِ، إلَّا أنْ يتْرُكَ قتالَه، أو يُثْخِنَه (١٩) بالجِرَاحِ، فيَتْبَعَه ليَقْتُلَه، أو يُجِيزَ عليه، فيجوزَ أنْ يحولُوا بَيْنَه وبَيْنَه، فإنْ قاتَلَهم قاتَلُوه؛ لأنَّه (٢٠) إذا مَنَعَهم إنْقاذَهُ فقد نَقَضَ أمانَه. وإنْ أْعانَ الكُفَّارُ صاحِبَهم، فعلى المسلمين أنْ يُعينُوا صاحِبَهم أيضًا، ويُقاتِلُوا مَن أعانَ عليه، ولا يقاتِلُونه؛ لأنَّه ليس بصُنْعٍ من جِهَتِه، فإنْ كان قد اسْتَنْجَدَهم، أو عُلِمَ منه الرِّضَا بفِعْلِهم، صارَ ناقِضًا لأمانِه، وجازَ لهم قَتْلُه. وذَكَرَ الأوْزَاعِىُّ، أنَّه ليس للمسلمين مُعاونَةُ صاحِبِهم، وإنْ أُثْخِنَ بالجِراحِ. قيل له:


(١٥) المنة: القوة.
(١٦) في م: "لقتله".
(١٧) سقط من: الأصل.
(١٨) في م: "قتله".
(١٩) في أ، م: "ثخنه".
(٢٠) في الأصل: "لأنهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>