للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في "المُسْنَدِ"، وابنُ مَاجَه (١٥). ورَوَى أبو بكرِ بن أبي شَيْبَةَ، بإسْنَادِه، عن أبي هُرَيْرَةَ نَحْوَه، وعن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، والإِمَامُ يَخْطُبُ، فهُوَ كَمِثْلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أسْفَارًا". رَوَاهُ ابنُ أبي خَيْثَمَةَ (١٦). وما احْتَجُّوا به، فيَحْتَمِلُ أنَّه مُخْتَصٌّ بمن كَلَّمَ الإِمامَ، أو كَلَّمَهُ الإِمامُ؛ لأنَّه لا يَشْتَغِلُ بذلك عن سَمَاعِ خُطْبَتِه، ولذلك سألَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هل صَلَّى؟ فأجابَهُ. وسَألَ عمرُ عُثمانَ حين دَخَلَ وهو يَخْطُبُ، فأجَابَه، فتَعَيَّنَ حَمْلُ أخْبَارِهم على هذا، جَمْعًا بين الأخْبَارِ، وتَوْفِيقًا بينها، ولا يَصِحُّ قِيَاسُ غيرِه عليه؛ لأنَّ كلامَ الإِمامِ لا يكونُ في حالِ [خُطْبتِه بخِلافِ] (١٧) غيرِه، وإن قُدِّرَ التَّعَارُضُ فالأخْذُ بحَدِيثِنَا أوْلَى؛ لأنَّه قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ونَصُّهُ، وذلك سُكُوتُه، والنَّصُّ أقْوَى من السُّكُوتِ.

فصل: ولا فَرْقَ بين القَريبِ والبَعِيدِ؛ لِعُمُومِ ما ذَكَرْنَاه، وقد رُوِىَ عن عثمانَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: من كان قَرِيبًا يَسْمَعُ ويُنْصِتُ. ومن كان بَعِيدًا يُنْصِتُ؛ فإنَّ لِلْمُنْصِتِ الذي لا يَسْمَعُ مِن الحَظِّ ما لِلسَّامِعِ، وقد رَوَى عبدُ اللهِ بن عَمْرٍو، عن النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "يَحْضُرُ الجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، رَجُلٌ حَضَرَها يَلْغُو، وهو حَظُّهُ مِنْهَا، ورَجُلٌ حَضَرَها يَدْعُو، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللهَ، فَإنْ شَاءَ أعْطَاهُ، وإن شَاءَ مَنَعَهُ، ورَجُلٌ حَضَرَها بإنْصَاتٍ وسُكُونٍ (١٨)، ولم يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، ولم يُؤْذِ أحَدًا، فَهِىَ كَفَّارَةٌ إلَى الجُمُعَةِ الَّتِى تَلِيها، وزيَادَةُ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ،


(١٥) أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الاستماع للخطبة والإِنصات لها، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٥٣. والإمام أحمد، في: المسند ٥/ ١٤٣، ١٩٨.
(١٦) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٣٠. وابن أبي شيبة، في: باب في الكلام إذا صعد الإِمام المنبر وخطب، من كتاب الصلوات. مصنف ابن أبي شيبة ٢/ ١٢٥.
(١٧) في م: "الخطبة خلاف".
(١٨) في الأصل: "وسكوت".

<<  <  ج: ص:  >  >>