وجملةُ ذلك أنَّ المُفْلِسَ فى الدَّعْوَى كغَيرِه، فإذا ادَّعَى حَقًّا له به شَاهِدُ عَدْلٍ، وحَلَفَ مع شاهِدِه، ثَبَتَ المالُ، وتَعَلَّقَتْ به حُقوقُ الغُرَماءِ. وإن امتنعَ لم يُجْبَرْ؛ لأنَّنا لا نَعلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ، ولو ثَبَتَ الحَقُّ بِشهادَتِه لم يَحْتَجْ إلى يَمِينٍ معه، فلا يُجْبَرُ على الحَلْفِ على ما لا يَعْلَمُ صِدْقَه كغيرِه. فإن قال الغُرَماءُ: نحن نَحْلِفُ مع الشَّاهِدِ. لم يكُنْ لهم ذلك. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ فى الجَدِيدِ، وقال فى القَدِيمِ: يَحْلِفُونَ معه؛ لأنَّ حُقُوقَهم تَعَلَّقَتْ بالمالِ، فكان لهم أن يَحْلِفُوا، كالوَرَثَةِ يَحْلِفون على مَالِ مَوْرُوثِهم. ولنا، أنَّهم يُثْبِتون مِلْكًا لِغَيْرِهم؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِهِمْ به بعد ثُبُوتِه، فلم يَجُزْ لهم ذلك، كالمَرْأَةِ تَحْلِفُ لإِثْبَاتِ مِلْكٍ لِزَوْجِهَا؛ لِتَعَلُّقِ نَفَقَتِها به، وكالوَرَثَةِ قبلَ مَوْتِ مَوْرُوثِهم. وفَارَقَ ما بعدَ المَوْتِ، فإنَّ المالَ انْتَقَلَ إليهم، وهم يُثْبِتون بأيْمانِهم مِلْكًا لأَنْفُسِهم.
وجُمْلَتُه أن الدَّيْنَ المُؤَجَّلَ لا يَحِلُّ بفَلَسِ مَن هو عليه، رِوَايَةً واحِدَةً. قالَه القاضِى. وذَكَرَ أبو الخَطَّاب فيه رِوَايَةً أُخْرَى، أنَّه يَحِلُّ. وبه قال مالِكٌ. وعن الشَّافِعِىِّ كالمَذْهَبَيْنِ. واحْتَجُّوا بأنَّ الإفْلَاسَ يَتَعَلَّقُ به الدَّيْنُ بالمالِ، فأَسْقَطَ الأَجَلَ كالمَوْتِ. ولنا، أنَّ الأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُفْلِسِ، فلا يَسْقُطُ بِفَلَسِه، كسَائِرِ حُقُوقِه، ولأنَّه لا يُوجِبُ حُلُولَ ماله، فلا يُوجِبُ حُلُولَ ما عليه، كالجُنُونِ والإغْمَاءِ، ولأنَّه دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ على حَىٍّ، فلم يَحِلَّ قبلَ أَجَلِه، كغيرِ المُفْلِسِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بالمَوْتِ، فهو كمَسْأَلَتِنَا، وإن سَلَّمْنَا، فالفَرْقُ بينهما أنَّ ذِمَّتَه خَرِبَتْ وبَطَلَتْ، بِخِلَافِ المُفْلِسِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إذا حُجِرَ على المُفْلِسِ، فقال أصْحَابُنَا: لا يُشَارِكُ أصْحَابُ الدُّيُونِ المُؤَجَّلَةِ غُرَمَاءَ الدُّيُونِ الحالَّةِ، بل يُقْسَمُ المالُ المَوْجُودُ