للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنَاءً على الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ فى البَيْعِ. ونَصَرَ أبو الخَطَّابِ فى "رُءُوسِ المَسَائِلِ" صِحَّتَهُ، وبه قال أبو حنيفةَ، لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ" (٢١) وهو مَشْرُوطٌ فيه شَرْطٌ فاسِدٌ. ولم يُحْكَمْ بِفَسَادِه. وقيل: ما يَنْقُصُ حَقَّ المُرْتَهِنِ يُبْطِلُه، وَجْهًا واحِدًا، وما لا فعلى وَجْهَيْنِ، وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ المُرْتَهِنَ شُرِطَتْ له زِيَادَةٌ لم تَصِحَّ له، فإذا فَسَدَتِ الزِّيَادَةُ لم يَبْطُلْ أَصْلُ الرَّهْنِ.

فصل: وإن شَرَطَ أنَّه مَتَى حَلَّ الحَقُّ ولم يُوَفِّنِى، فالرَّهْنُ لى بالدَّيْنِ. أو: فهو مَبِيعٌ لى بالدَّيْنِ الذى عليكَ. فهو شَرْطٌ فَاسِدٌ. رُوِىَ ذلك عن ابنِ عمرَ، وشُرَيْحٍ، والنَّخَعِيِّ، ومالِكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشَّافِعِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. لا نَعْلَمُ أحَدًا خَالَفَهُم. والأصْلُ فى ذلك ما رَوَى مُعاوِيَةُ بن عبدِ اللهِ بن جعفرٍ، قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ". رَوَاهُ الأَثْرَمُ (٢٢). قال الأَثْرَمُ: قلتُ لأحمدَ: ما مَعْنَى قَوْله: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ"؟ قال: لا يَدْفَعُ رَهْنًا إلى رَجُلٍ، ويقولُ: إن جِئْتُكَ بالدَّرَاهِم إلى كذا وكذا، وإلَّا فالرَّهْنُ لك. قال ابنُ المُنْذِرِ: هذا مَعْنَى قَوْلِه: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ" عند مالِكٍ، والثَّوْرِيِّ، وأحمدَ. وفى حَدِيثِ مُعاوِيَةَ بن عبد اللهِ بن جعفرٍ، أنَّ رَجُلًا رَهَنَ دارًا بالمَدِينَةِ إلى أجَلٍ مُسَمًّى، فمَضَى الأَجَلُ، فقال الذى ارْتَهَنَ: مَنْزِلِى. فقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ". ولأنَّه عَلَّقَ البَيْعَ على شَرْطٍ، فإنَّه جَعَلَهُ مَبِيعًا بِشَرْطِ أن لا يُوَفِّيَه الحَقَّ فى مَحلِّه، والبَيْعُ المُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لا يَصِحُّ، وإذا شَرَطَ هذا الشَّرْطَ فَسَدَ الرَّهْنُ. ويَتَخَرَّجُ أنْ لا يَفْسُدَ، لما ذَكَرْنَا فى سَائِرِ الشُّرُوطِ الفَاسِدَةِ، وهذا ظَاهِرُ قولِ أبي الخَطَّابِ، فى "رُءُوسِ الْمَسَائِلِ"، واحْتَجَّ بقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ". فنَفَى غَلْقَه دُونَ أصْلِه، فيَدُلُّ على صِحَّتِه، ولأن الرَّاهِنَ قد رَضِىَ بِرَهْنِه مع هذا الشَّرْطِ، فمع بُطْلَانِه أوْلَى أن يَرْضَى به. ولَنا،


(٢١) تقدَّم تخريجه فى صفحة ٤٤٤.
(٢٢) وهذه الرِّواية عن معاوية عند البيهقى أيضًا. انظر التخريج السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>