للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشِّراكِ في اليومِ الأولِ، وفى اليومِ الثَّانِى حين صار ظِلُّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَه، ثمّ قال: "الوَقْتُ مَا بَيْنَ هذيْن". وحديث مالِكٍ مَحْمُولٌ على العُذْرِ بِمطَرٍ أو مرضٍ، وما احْتَجَّ به أبو حنيفَة لا حُجَّةَ فيه؛ لأنه قال: إلى صلاةِ العَصْرِ. وفِعْلُها يكون بعد دخولِ الوقتِ وتَكَامُلِ الشُّرُوطِ، على أن أحادِيثَنا قُصِدَ بها بيانُ الوقت، وخبرُهم قُصِدَ به ضَرْبُ المَثَلِ، فالأخْذُ بأحادِيثنا أوْلَى. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: خَالَفَ أبو حنيفَة في قولِه هذا الآثَارَ والنَّاسَ، وخَالَفَهُ أصْحابُهُ.

١١١ - مسألة؛ قال: (وإذَا زَادَ شَيْئًا وَجَبَتِ العَصْرُ)

وجُمْلَتُه أن وقت العَصْرِ من حين الزِّيَادَةِ على المِثْلِ أدنى زيادَةٍ مُتَّصِلٌ بوقتِ الظُّهْرِ، لا فصلَ بينهما، وغيرُ الخِرَقِىِّ قال: إذا صار ظِلُّ الشَّىْء مِثْلَهُ فهو آخِرُ وقت الظُّهْرِ وأوَّل وقتِ العَصْرِ. وهو قريبٌ مما قال الخِرَقِىُّ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وقال أبو حَنِيفَة: إذا زادَ على المِثْلَيْنِ؛ لِما تَقَدَّمَ من الحديثِ، ولقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} (٢)، ولو كان على ما ذكَرْتُمُوه لكانَ (١) وَسَطَ النَّهَارِ. وحُكِىَ عن رَبيعةَ: أن وقتَ الظُهْرِ والعصر إذا زالتِ الشَّمْسُ. وقال إسحاق: آخِرُ وقتِ الظُّهْرِ وأوَّلُ وقت العَصْرِ يَشْتَرِكَانِ في قَدْرِ الصَّلَاةِ، فلو أنَّ رَجُلين يُصَلِّيَانِ معًا، أحَدُهُما يُصَلى الظُّهْرَ والآخَرُ العصرَ، حين صار ظِلُّ كُلِّ شيء مِثْلَهُ، كان كُلُّ واحدٍ منهما مُصَلِّيا لها في وقتها. وحُكِىَ ذلك عن ابْنِ المُبارَكِ؛ لقول النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: "صَلَّى بِى الظُّهْرَ لوَقْتِ العَصْرِ بالأَمْسِ". ولَنا، ما تقدم في حديث جِبْرِيلَ، عليهِ السَّلام، وقولُه تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} (٢) لا يَنْفى ما قُلْنَا؛ فإن الطَّرَفَ ما تراخَى عن الوسط، وهو موجودٌ في مسألتِنا، وقولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لِوَقْتِ العَصْرِ بالأَمْسِ". أراد مُقارنةَ الوقت، يعني أنَّ ابْتِداءَ صلاتِه اليومَ العصرَ مُتَّصِلٌ بوقتِ انْتهاء صلاةِ الظُّهْرِ في اليوم الثَّانِى، أو مُقَارِبٌ له؛ لأنه قَصَدَ به بيانَ المواقيت،


(١) في الأصل: "كان".
(٢) سورة هود ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>