للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحْكَمُ بِطهارةِ المُنْفَصِلِ إذا نَشَفَتِ النَّجَاسَةُ، وذَهَبَتْ أجْزاؤُها، ولم يَبْقَ إِلا أَثَرُها، فإن كانت أَجْزاؤُها باقِيَةً، طَهُرَ المَحَلُّ، ونَجُسَ المُنْفَصِلُ. وهذا الشَّرْطُ الذي ذَكَرَهُ لم أَرَهُ عن أحمدَ، ولا يَقْتَضِيه كلامُ الْخِرَقِىِّ، ولا يَصِحُّ؛ لأنَّه إن أرادَ بِبقاءِ أجْزَائِها بقاءَ رُطُوبَتِها، فهو خِلافُ الخَبَرِ، فإنَّ قَوْلَه: فلما قَضَى بَوْلَه أمَرَ بِذَنُوبٍ من ماءٍ فأُهْرِيقَ عليه، يَدُلُّ على أنه صُبَّ عليه عَقِيبَ فَرَاغِه منه. وان أرادَ بَقَاءَ البَوْلِ مُتَنَقِّعًا، فلا فَرْقَ بينه وبين الرُّطُوبَةِ، فإنّ قَلِيلَ البَوْلِ وكَثِيرَه في التَّنْجِيسِ سَوَاءٌ. والرُّطُوبَةُ أَجْزاءٌ تَنْجَسُ كما يَنْجَسُ المُنْتَقِعُ، فلا فَرْق إِذًا.

فصل: وإن أصابَ الأرْضَ ماءُ المطرِ أو السُّيُولِ، فغَمَرَها، وجَرَى عليها (٩)، فهو كما لو صُبَّ عليها؛ لأنَّ تَطْهِيرَ النَّجَاسَةِ لا تُعْتَبَرُ فيه نِيَّةٌ ولا فِعْلٌ، فاسْتَوَى ما صَبَّهُ الآدَمِىُّ وما جَرَى بغيرِ صَبِّه. قال أحمدُ، رَحِمَهُ اللهُ، في البَوْلِ يكونُ في الأرضِ فَتُمْطِرُ عليه السَّماءُ: إذا أصَابَه من المطرِ بِقَدْرِ ما يكُونُ ذَنُوبًا، كما أمَرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُصَبَّ على البَوْلِ، فقد طَهُرَ. وقال الْمَرُّوذِىُّ: سُئِلَ أبو عبدِ اللَّه عِن ماءِ المَطَرِ يَخْتَلِطُ بالبَوْلِ، فقال: ماءُ المَطَرِ عندى لا يُخَالِطُ شَيْئًا إِلَّا طَهَّرَهُ، إلَّا العَذِرَةَ. فإنَّها تُقْطَعُ. وسُئِلَ عن ماءِ المَطَرِ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فلم يَرَ به بَأْسًا، إلَّا أن يكونَ بِيلَ فيه بعد المطرِ. وقال: كل ما يَنْزِلُ من السَّمَاءِ إلى الأرضِ فهو نَظِيفٌ، دَاسْتْهُ الدَّوَابُّ أو لم تَدُسْهُ. وقال في المِيزَابِ: إذا كان في المَوْضِعِ النَّظِيفِ فلا (١٠) بَأْسَ بما قَطَرَ عليكَ من المطرِ، إذا لم تَعْلَمْ أنَّه قَذِرٌ. قيل له: فأسْألُ عنه؟ قال: لا تَسْألْ، وما دعاكَ إلى أن تَسْألَ وهو ماءُ المطر! إذا لم يكنْ مَوْضِعَ مَخْرَجٍ، أو مَوْضِعَ قَذَرٍ، فلا تَغْسِلْه. واحْتُجَّ في طهارةِ طِينِ المطرِ بِحديثِ الأعْرَابيِّ الذي بَالَ في المَسْجدِ. قال إسحاقُ بنُ منصورٍ، وقال إسْحَاقُ بنُ رَاهُويه، كما قال أحمدُ. واحْتُجَّ بأَنَّ أصْحابَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- والتَّابِعينَ كانوا يَخُوضُونَ المَطَرَ في الطُّرُقَاتِ، فلا يَغسِلُون أَرْجُلَهُم، لَمَّا غَلَبَ الماءُ القَذَرَ. وممَّن


(٩) في الأصل: "عنها".
(١٠) في الأصل: "لا".

<<  <  ج: ص:  >  >>