للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يُؤْمَنُ أن يَفْتِنَه ويُعَلِّمَه الكُفْرَ، بل الظاهِرُ أنَّه يُرَبِّيه على دِينِه، ويَنْشَأُ على ذلك، كوَلَدِه. فإن الْتَقَطَه لم يُقَرَّ في يَدِه. وإن كان الطِّفْلُ مَحْكُومًا بِكُفْرِه، فله الْتِقاطُه؛ لأنَّ الذين كَفَرُوا بعضُهم أَوْلِيَاءُ بعضٍ.

فصل: وإن الْتَقَطَه اثْنانِ، وتَنَاوَلَاه تَنَاوُلًا واحِدًا، لم يَخْلُ من ثلاثةِ (١٦) أقْسامٍ؛ أحدها، أن يكونَ ممَّن يُقَرُّ في يَدَيْهِ، كالمُسْلِمِ العَدْلِ الحُرِّ، والآخَر ممَّن لا يُقَرُّ في يَدَيْهِ، كالكافِرِ إذا كان اللَّقِيطُ مُسْلِمًا، والفاسِقِ، والعَبْدِ إذا لم يَأْذَن له سَيِّدُه، والمُكَاتَبِ، فإنَّه يُسَلّمُ إلى من يُقَرُّ في يَدِه، وتكونُ مُشَارَكَةُ هؤلاءِ له (١٧) كَعَدَمِها؛ لأنَّه لو الْتَقَطَه وحدَه لم يُقَرَّ في يَدِه، فإذا شَارَكه مَنْ هو من أهْلِ الالْتِقاطِ أَوْلَى (١٨). الثاني، أن يكونا جَمِيعًا ممَّن لا يُقَرُّ في يَدَىْ واحدٍ منهما، فإنَّه يُنْزَعُ منهما، ويُسَلَّمُ إلى غيرِهِما. الثالث، أن يكونَ كلُّ واحدٍ منهما ممَّن يُقَرُّ في يَدِه لو انْفَرَدَ، إلَّا أنَّ أحَدَهُما أحَظُّ للَّقِيطِ من الآخَرِ، مثل أن يكونَ أحَدُهُما مُوسِرًا والآخَرُ مُعْسِرًا، فالمُوسِرُ أحَقُّ؛ لأن ذلك أحَطُّ للطِّفْلِ، وإن الْتَقَطَ مُسْلِمٌ وكافِرٌ طِفْلًا مَحْكُومًا بِكُفْرِه، فالمُسْلِمُ أحَقُّ. وقال أصْحابُنا، وأصْحابُ الشّافِعِيِّ: هما سواءٌ؛ لأنَّ لِلْكافِرِ وِلَايةً على الكافِرِ، ويُقَرُّ في يَدِه إذا انْفَرَدَ بالْتِقاطِه، فسَاوَى المُسْلِمَ في ذلك. ولَنا، أن دَفْعَه إلى المُسْلِمِ أحَظُّ له؛ لأنَّه يَصِيرُ مُسُلِمًا، فيَسْعَدُ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، ويَنْجُو من النَّارِ، ويَتَخلَّصُ من الجِزْيةِ والصَّغَارِ، فالتَّرْجِيحُ بهذا أَوْلَى من التَّرْجِيحِ باليَسَارِ الذي إنَّما يُتَعَلَّقُ به تَوْسِعَةً عليه في الإِنْفاقِ، وقد يكونُ المُوسِرُ بَخِيلًا، فلا تَحْصُلُ التَّوْسِعَةُ. فإن تَعَارَضَ التَّرْجِيحانِ، فكان المُسْلِمُ فَقِيرًا والكافِرُ مُوسِرًا، فالمُسْلِمُ أَوْلَى؛ لأنَّ النَّفْعَ الحاصِلَ له بإسْلامِهِ أعْظَمُ من النَّفْعِ الحاصِلِ بِيَسَارِه مع كُفْرِه. وعلى قِيَاسِ قولِهم في تَقْدِيمِ المُوسِرِ، يَنْبَغِى أن يُقَدَّمَ الجَوَادُ على البَخِيلِ؛


(١٦) سيذكر المؤلف خلاله الفصل أربعة أقسام.
(١٧) سقط من: م.
(١٨) في الأصل زيادة: "به".

<<  <  ج: ص:  >  >>