للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُحْتَالِ مُطَالَبَةَ المُحَالِ عليه، وتَحَوُّلُ ذلك إلى الوَكِيلِ كَتَحَوُّلِه إلى المُحِيلِ. وإن أحَالَ مَن عليه دَيْنٌ على مَن لا دَيْنَ عليه، فليست حَوَالَةً أيضًا. نَصَّ عليه أحمدُ. فلا يَلْزَمُ المُحَالَ عليه الأَدَاءُ، ولا المُحْتَالَ قَبُولُ ذلك؛ لأنَّ الحَوَالَةَ مُعَاوَضَةٌ، ولا مُعَاوَضَةَ هاهُنا، وإنَّما هو اقْتِرَاضٌ. فإن قَبَضَ المُحْتَالُ منه الدَّيْنَ، رَجَعَ على المُحِيلِ؛ لأنَّه قَرْضٌ. وإن أَبْرَأَهُ ولم يَقْبِضْ منه شيئا، لم تَصِحَّ البَرَاءَةُ؛ لأنَّها بَرَاءَةٌ لمن لا دَيْنَ عليه. وإن قَبَضَ منه الدَّيْنَ، ثم وَهَبَهُ إيَّاهُ، رَجَعَ المُحَالُ عليه على المُحِيلِ به؛ لأنَّه قد غَرِمَ عنه، وإنَّما عَادَ إليه المالُ بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَرْجِعَ عليه، لكَوْنِه ما غَرمَ عنه شيئا. وإن أحَالَ مَن لا دَيْنَ عليه (٥) [على مَن لا دَيْنَ عليه] (٦) فهى وَكَالَةٌ في اقْتِرَاضٍ. ولَيْسَتْ حَوَالَةً؛ لأنَّ الحَوَالَةَ إنَّما تكونُ بِدَيْنٍ على دَيْنٍ، ولم يُوجَدْ واحِدٌ منهما.

فصل: الشَّرْطُ الثالثُ، أن تَكُونَ بِمَالٍ مَعْلُومٍ؛ لأنها إن كانت بَيْعًا فلا تَصِحُّ في مَجْهُولٍ، وإن كانت تَحَوُّلَ الحَقِّ فيُعْتَبَرُ فيها التَّسْلِيمُ، والجَهَالَةُ تَمْنَعُ منه، فتَصِحُّ بكلِّ ما يَثْبُتُ مثلُه في الذِّمَّةِ بالإِتْلَافِ من الأثْمَانِ والحُبُوبِ والأَدْهَانِ، ولا تَصِحُّ (٧) فيما لا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه؛ لأنَّه لا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ، ومن شَرْطِ الحَوَالَةِ تَسَاوِى الدَّيْنَيْنِ، فأمَّا ما يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ سَلَمًا غيرَ المِثْلِيَّاتِ، كالمَذْرُوعِ والمَعْدُودِ، ففى صِحَّةِ الحَوَالَةِ به وَجْهانِ: أحدُهما: لا تَصِحُّ؛ لأنَّ المِثْلَ فيه لا يَتَحَرَّرُ، ولهذا لا يَضْمَنُه بمِثْلِه في الإِتْلَافِ، وهذا ظَاهِرُ مذهب الشَّافِعِىِّ. والثاني: تَصِحُّ. ذَكَرَهُ القاضي؛ لأنَّه حَقٌّ ثَابِتٌ في الذِّمَّةِ، فأَشْبَهَ مَالَهُ مِثْلٌ. ويَحْتَمِلُ أن يُخَرَّجَ هذانِ الوَجْهانِ على الخِلَافِ فيما يَقْتَضِى به قَرْضَ هذه الأمْوالِ، فإن كان عليه إِبِلٌ من الدِّيَةِ وله على آخَرَ مِثْلُها في السِّنِّ، فقال القاضِى: تَصِحُّ؛ لأنَّها تَخْتَصُّ بأقَلِّ ما يَقَعُ عليه الاسْمُ في السِّنِّ والقِيمَةِ وسَائِرِ


(٥) في م: "عنه".
(٦) سقط من: الأصل، ب.
(٧) في الأصل: "يصلح".

<<  <  ج: ص:  >  >>