للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَواءٌ كانت اليدَ اليُمْنَى والرِّجْلَ اليُسْرَى أو بالعكْسِ؛ لأنَّ قطعَ زيادةٍ على ذلك يَذْهبُ بمنْفَعةِ الجنسِ، إمَّا مَنْفَعةُ البَطْشِ أو المَشْىِ أو كِلَيْهما. وهذا مذهبُ أبي حَنيفةَ. وعلى الرِّوايةِ التي تَسْتَوْفِى أعْضاءَ السارقِ الأربعةَ، يُقْطَعُ ما بَقِىَ من أعضائهِ، فإن كانَتْ يدُه اليُمْنَى مَقْطوعةً، قُطِعَتْ رجلُه اليُسْرَى وَحْدَها، ولو كانت يَداهُ صَحِيحتَيْن، ورِجْلُه اليُسْرَى مَقْطوعةً، قُطِعَتْ يُمْنَى يدَيْه، ولم يُقْطَعْ غيرُ ذلك. وجهًا واحدًا. وهذا (٣١) مذهبُ الشَّافِعِىِّ. ولا نعلمُ فيه خلافًا؛ لأنَّه وُجِدَ في مَحَلِّ الحَدِّ ما يُسْتَوْفَى، فاكْتُفِىَ باسْتيفائِه، كما لو كانت اليدُ ناقصةً، بخلافِ التي قبلَها. وإن كان ما وَجَبَ قطعُه أشلَّ، فذكرَ أهلُ الطِّبِّ أنَّ قَطْعَه يُفْضِى إلى تَلَفِه، لم يُقْطَع، وكان حكمُه حُكْمَ المَعْدومِ. وإن قالوا: لا يُفْضِى إلى تَلَفِه. ففى قَطْعِه رِوَايتان. ذكرْناهما في قَطعِ السارقِ (٣٢). الحال الرابع، إذا أخافُوا السَّبِيلَ، ولم يَقْتُلوا، ولم يأْخذُوا مالًا. الحال الخامس، إذا تَابُوا قبلَ القُدْرةِ عليهم. ويأْتِى ذِكْرُ حُكمِهما، إن شاء اللهُ تعالى.

١٥٩٦ - مسألة؛ قال: (وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ أَخَذَ مَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي مِثْلِهِ)

وبهذا قال الشَّافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ (١). وقال مالِكٌ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: للإِمام أن يَحْكُمَ عليه حُكْمَ المُحاربِ؛ لأنَّه مُحارِبٌ للهِ ولرسولهِ (٢)، ساعٍ في الأرضِ بالفسادِ، فيَدْخلُ في عُمومِ الآية، ولأنَّه لا يُعْتَبَرُ الحِرْزُ، فكذلك النِّصَابُ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا قَطْعَ إلَّا في رُبْعِ دِينَارٍ" (٣). ولم يُفَصِّلْ، ولأنَّ هذه جنايةٌ تعَلَّقتْ بها عقوبةٌ في حَقِّ غيرِ المحاربِ، فلا تتغلَّظُ في المُحاربِ بأكثرَ من وَجْهٍ واحدٍ، كالقتلِ


(٣١) في ب، م: "وهو".
(٣٢) تقدم في صفحة ٤٤٤.
(١) في م زيادة: "وابن المنذر". ويأتى في الأصل، ب بعد: "وأبو ثور".
(٢) في الأصل: "ورسوله".
(٣) تقدم تخريجه، في صفحة ٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>