للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِّه بالجِراحِ، فإنَّ اللَّه تعالى ذكرَ في حُدودِ المُحارِبينَ القتلَ والصَّلْبَ والقَطْعَ والنَّفْىَ، فلم يتعلَّقْ بالمُحاربةِ غيرُها فلا يَتَحَتَّمُ، بخلافِ القتلِ، فإنَّه حَدٌّ، فتَحتَّمَ، كسائرِ الحدودِ، فحينئذٍ لا يجبُ فيه أكثرُ من القِصاصِ. والثانية، يتحتَّمُ؛ لأنَّ [الجُرْحَ تابعٌ] (٢٤) للقتلِ، فيثْبتُ فيه (٢٥) مثلُ حكمِه، ولأنَّه نَوْعُ قَوَدٍ، أشْبَهَ القَوَدَ في النَّفْسِ. والأُولَى أَوْلَى. وإن جَرَحَه جُرْحًا لا قِصَاصَ فيه، كالجائفَةِ، فليس فيه إلَّا الدِّيَةُ. وإن جَرَحَ إنسانًا وقَتَلَ آخرَ، اقتُصَّ منه للجِرَاحِ، وقُتِلَ للمُحارَبةِ. وقال أبو حنيفةَ: تسْقُطُ الجراحُ؛ لأنَّ الحدودَ إذا اجتمعَتْ وفيها قَتْلٌ، سقطَ ما سِوَى القَتْلِ. ولَنا، أنَّها جنايةٌ يجبُ بها القِصاصُ في غيرِ المُحارَبةِ، فيجبُ بها في المُحارَبةِ، كالقتلِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ القِصَاصَ في الجِرَاحِ حَدٌّ، وإنَّما هو قِصَاصٌ مُتَمحِّضٌ، فأشْبَهَ ما لو كان الجُرْحُ في غيرِ المُحارَبَةِ، وإن سَلَّمْنا أنَّه حَدٌّ، فإنَّه مَشْروعٌ مع القتلِ، فلم يسْقُطْ به، كالصَّلْبِ، كقَطْعِ اليدِ والرِّجْلِ عندهم (٢٦). الحال الثالث، أخَذَ المالَ ولم يقتُلْ، فإنَّه تُقْطَعُ يدُه اليُمْنَى [ورِجْلُه اليُسْرَى، وهذا معنى قوله سبحانه: {مِنْ خِلَافٍ} (٢٧). وإنَّما قَطَعْنا يدَه اليُمْنَى] (٢٨) للمعنى الذي قَطَعْنا به يُمْنَى (٢٩) السارقِ، ثم قَطَعْنا رجلَه اليُسْرَى لِتتَحَقَّقَ المُخالفةُ، وليكونَ أرْفقَ به في إمْكانِ مَشْيِه. ولا يُنْتَظَرُ انْدِمالُ اليدِ في قَطْعِ الرِّجلِ، بل يُقْطَعان معًا، يُبْدَأُ بيمينِه فتُقْطَعُ وتحسمُ، ثم برِجْلِه؛ لأنَّ اللَّه تعالى بدأ بذكرِ الأَيْدِى. ولا خلافَ بين أهلِ العلمِ، في أنَّه لا يُقْطَعُ منه غيرُ يدٍ ورجلٍ، إذا كانتْ يَداهُ ورجْلَاه صحيحتَيْن، فأمَّا إن كانَ مَعْدومَ اليدِ والرِّجْل، إمَّا لكَوْنِه قد قُطِع في قَطْع طريقٍ أوَ سَرِقَةٍ أو قِصاصٍ، أو لمرضٍ (٣٠)، فمُقْتَضَى كلامِ الْخِرَقِىِّ سُقُوطُ القَطْعِ عنه،


(٢٤) في م: "الجراح تابعة".
(٢٥) في م: "فيها".
(٢٦) سقط من: م.
(٢٧) سورة المائدة ٣٣.
(٢٨) سقط من: ب. نقل نظر.
(٢٩) في الأصل: "يمين".
(٣٠) في الأصل: "بمرض".

<<  <  ج: ص:  >  >>