للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالْمُجتهِدين من الفُقهاء في الأَحْكامِ، مَنْ شَهِدَ منهم قُبِلَتْ شَهادتُه إذا كان عَدْلًا. وهذا قولُ الشَّافِعِي. ولا أعلمُ في قَبُولِ شهادتِهم خِلافًا. فأمَّا الخوارجُ، وأهلُ البِدَعِ، إذا خَرَجُوا على الإِمامِ، فلا تُقْبَلُ شَهادَتُهم، لأَنَّهم فُسَّاقٌ. وقال أبو حنيفةَ: يُفَسَّقُون بالبَغْيِ، وخُرُوجِهم على الإِمامِ، ولكنْ تُقْبَلُ شَهادتُهم؛ لأنَّ فِسْقَهم من جِهَةِ الدِّين، فلا تُرَدُّ به الشَّهادَةُ، وقد قُبِلَ شَهادةُ الكفارِ بعضِهم على بعضٍ. ويُذْكَرُ ذلك في كتابِ الشَّهاداتِ (٩)، إن شاءَ اللهُ تعالى.

فصل: ذكَر القاضِي أنَّه لا يُكْرَهُ للعادِل قَتْلُ ذِي رَحِمِه الباغِي؛ لأَنَّه قَتْلٌ بحَقٍّ، فَأَشْبَهَ إقامةَ الحَدِّ عليه. وكَرِهَتْ طَائِفَةٌ من أهلِ العِلْمِ القَصْدَ إلى ذلك. وهو أصَحُّ، إن شاءَ اللَّه تعالى؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (١٠). قال الشافعي: كَفَّ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا حُذَيْفَةَ [بنَ عُتْبَةَ] (١١) عن قتل أبِيه (١٢). وقال بعضُهم: لا يحِلُّ ذلك؛ لأنَّ اللهَ تعالى أمر بَمُصاحَبَتِه بالمعرُوفِ، وليس هذا من المعروفِ. فإنْ قَتَلَه، فهل يَرِثُه؟ علَى رِوَايَتَيْن؛ إحداهما، يَرِثُه. هذا قولُ أبي بكرٍ، ومذهبُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّه قَتْلٌ بحَقٍّ، فلم يَمْنَعِ الميراثَ، كالقِصاصِ والقَتلِ في الحَدِّ (١٣). والثانية: لا يَرِثُه. وهو قولُ ابن حامدٍ، ومذهبُ الشافِعي؛ لعُمومِ قولِه عليه السلام: "لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيءٌ" (١٤). فأمَّا الباغِي إذا قَتَلَ العادِلَ، فلا يَرِثُه. وهذا قولُ الشَّافِعيِّ. وقال أبو حنيفةَ: يَرِثُه؛ لأنَّه قَتَلَه بتأْويلٍ، أشْبَهَ قَتْلَ العادِلِ الباغِيَ. ولَنا، أَنَّه قتلَه بغيرِ حقٍّ، فلم يَرِثْهُ، كالقاتِلِ خطأً،


(٩) في م: "الشهادة".
(١٠) سورة لقمان ١٥.
(١١) في م: "وعتبة".
(١٢) أخرجه البيهقي، في: باب ما يكره لأهل العدل من أن يعمد قتل ذى رحمه. . ., من كتاب قتال أهل البغى. السنن الكبرى ٨/ ١٨٦.
(١٣) في م: "الحج" تحريف.
(١٤) تقدم تخريجه، في: ٩/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>