للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنْتُه، فإنَّها أُنْثَى مَخْلُوقةٌ من مائهِ، وهذه (٢٤) حقيقةٌ لا تَخْتَلِفُ بالحِلِّ والحُرْمةِ، ويَدُلُّ (٢٥) على ذلك قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فى امرأةِ هِلَالِ بن أُمَيّةَ: "انْظُرُوهُ". يعنى وَلَدَها "فَإنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كذا فهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ". يعنى الزَّانِىَ (٢٦). ولأنَّها مخلوقةٌ من مائِه (٢٧)، فأشْبَهتِ المخلوقةَ من وَطْءِ الشُّبْهَةِ (٢٨)، ولأنَّها بِضْعةٌ منه، فلم تَحِلَّ له، كبِنْتِه من النِّكاحِ، وتَخَلُّفُ بعض الأحْكامِ لا يَنْفِى كَوْنَها بِنْتًا، كما لو تَخَلَّفَ لِرِقٍّ أو اخْتلافِ دِينٍ. إذا ثَبَتَ هذا، فلا فَرْقَ بين عِلْمِه بكَوْنِها منه، مثل أن يَطَأَ امرأةً فى طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه غيرُه، ثم يَحْفَظَها حتى تَضَعَ، أو مثل أن يَشْتَرِكَ جماعةٌ فى وَطْءِ امرأةٍ، فتأتِىَ بوَلَدٍ لا يُعْلَمُ هل هو منه أو من غيرِه؟ فإنَّها تَحْرُمُ على جميعِهِم لوَجْهَينِ؛ أحدهما، أنَّها بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِم. والثانى، أنَّنا نَعْلَمُ أنَّها بنتُ بعضِهِم، فتَحْرُمِ على الجميعِ، كما لو زَوَّجَ الوَلِيَّانِ، ولم يُعْلَمِ السَّابقُ فهما، وتَحْرُمُ على أولادِهم؛ لأنَّها أخْتُ بعضِهم غيرَ معلومٍ، فإن ألْحَقَتْها القَافةُ بأحَدِهم، حَلَّتْ لأوْلادِ الباقِين، ولم تَحِلَّ لأحدٍ ممَّن وَطِئَ أُمَّها، لأنَّها فى معنى رَبِيبَتِه.

فصل: وَوَطْءُ المَيِّتَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهينِ؛ أحدهما، يَنْشُرُ الحُرْمةَ؛ لأنَّه مَعْنًى ينْشُرُ الحُرْمةَ المُؤبَّدةَ، فلم يَخْتَص بالحياة كالرَّضاعِ. والثانى، لا ينشرُها. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشافعىِّ، لأنَّه ليس بسَبَبٍ للبَعْضِيَّةِ (٢٩)، ولأنَّ التَّحْريمَ يَتَعلَّقُ باسْتِيفاءِ مَنْفَعةِ الوَطءِ، والموتُ يُبْطِلُ المنافِعَ. وأمَّا الرَّضَاعُ، فيُحَرِّمُ؛ لما يَحْصُلُ به من إنْباتِ اللَّحْمِ وإنْشازِ العَظْمِ، وهذا يَحْصُلُ من لَبَنِ الْمَيِّتَةِ. وفى وَطْء الصَّغِيرةِ أيضًا وَجْهان؛ أحدهما، ينْشُرُها. وهو قولُ أبى يوسفَ؛ لأنَّه وَطْءٌ لآدَمِيَّةٍ حَيَّةٍ فى القُبُلِ، أشْبَهَ وَطْءَ الكبيرةِ. والثانى، لا ينشرُها. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه ليس بسَبَب للبَعْضِيَّةِ (٢٩) أشْبَهَ وَطْءَ الْمَيِّتَةِ.


(٢٤) فى أ، م: "هذه".
(٢٥) فى ب: "وقد يدل".
(٢٦) انظر تخريجه فى: ٨/ ٣٧٣.
(٢٧) بعد هذا فى م زيادة: "وهذه حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة". وتقدم مثلها.
(٢٨) فى م: "بشبهة".
(٢٩) فى م: "للبضعية".

<<  <  ج: ص:  >  >>