للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخَرَ. فإن كان المالُ تِجَارَةً يُسَافِرُ به، فقال القاضي: يُفَرِّقُ زكاتَهُ حيث حَالَ حَوْلُه، في أيِّ مَوْضِعٍ كان. ومَفْهُومُ كلامِ أحمدَ في اعْتِبَارِهِ الحَوْلَ التّامَّ، أنَّه يَسْهُلُ في أنْ يُفَرِّقَها في ذلك البَلَدِ، وغيرِه من البُلْدَانِ التي أقَامَ بها في ذلك الحَوْلِ. وقال في الرَّجُلِ يَغِيبُ عن أَهْلِه، فَتَجِبُ عليه الزكاةُ: يُزَكِّيهِ في المَوْضِعِ الذي كَثُرَ مُقَامُه فيه. فأمَّا زَكَاةُ الفِطْرِ فإنه يُفَرِّقُها في البَلَدِ الذي وَجَبَتْ عليه فيه، سَوَاءٌ كان مَالُه فيه أو لم يَكنْ؛ لأنَّه سَبَبُ وُجُوبِ الزكاةِ، فَفُرِّقَتْ في البَلَدِ الذي سَبَبُها فيه.

فصل: والمُسْتَحَبُّ تَفْرِقَةُ الصَّدَقَةِ في بَلَدِها، ثم الأقْرَبِ فالأقْرَبِ من القُرَى والبُلْدَانِ. قال أحْمدُ في رِوايَةِ صالِحٍ: لا بَأْسَ أن يُعْطِيَ زكاتَه في القُرَى التي حَوْلَه ما لم تُقْصَرِ الصلاةُ في أثْنَائِها، ويَبْدَأُ بالأقْرَبِ فالأقْرَبِ. وإن نَقَلَها إلى البَعِيدِ لِتَحَرِّي قَرَابَةٍ، أو مَن كان أشَدَّ حَاجَةً، فلا بَأْسَ، ما لم يُجَاوِزْ مَسافَةَ القَصْرِ.

فصل: وإذا أخَذَ السَّاعِي الصَّدَقَةَ، واحْتَاجَ إلى بَيْعِها لِمَصْلَحَةِ مَن كَلَّفَهُ في نَقْلِها أو مَرَضِهَا أو نَحْوِهما (١٥)، فَلَهُ ذلك؛ لما رَوَى قَيْسُ بنُ أبي حازِمٍ، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأى في إبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ (١٦)، فسَأَلَ عنها؟ فقال المُصَدِّقُ: إنِّي ارْتَجَعْتُها بِإِبلٍ. فسَكَتَ. رَوَاهُ أبو عُبَيْدٍ، في "الأمْوَالِ" (١٧)، وقال: الرَّجْعَةُ أنْ يَبِيعَها، ويَشْتَرِىَ بِثَمَنِها مِثْلَها أو غيْرَها. فإن لم يَكُنْ حَاجَةٌ إلى بَيْعِها، فقال القاضي: لا يجوزُ، والبَيْعُ بَاطِلٌ، وعليه الضَّمَانُ. ويَحتَمِلُ الجَوَازَ؛ لِحَدِيثِ قَيْسٍ، فإنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَكَتَ حين أخْبَرَهُ المُصَدِّقُ بارْتِجَاعِها، ولم يَسْتَفْصِلْ.


(١٥) في الأصل، ب: "ونحوها".
(١٦) ناقة كوماء: ضخمة السنام.
(١٧) بل فعل ذلك في غريب الحديث ١/ ٢٢٢.
وأخرجه البيهقي، في: باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى ٤/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>