للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِياتٍ، لِيَعْفُوَ عنه، فأبَى ذلك، وقَتَلَه (٧). ولأنَّه عِوَضٌ عن غيرِ مالٍ، فجاز الصُّلْحُ عنه بما اتَّفَقُوا عليه، كالصَّداقِ، وعِوَضِ الخُلْعِ، ولأنَّه صلحٌ عمَّا لا يَجْرِى فيه الرِّبَا، فأشْبَهَ الصُّلْحَ عن العُرُوضِ.

١٤٥٨ - مسألة؛ قال: (وَإذَا أَمْسَكَ رَجُلًا وقَتَلَه آخَرُ، قُتِلَ الْقَاتِلُ، وحُبِسَ الْمَاسِكُ حَتَّى يَمُوتَ)

يقال: أَمْسَكَ ومَسَكَ ومَسَّكَ. وقد جَمَعَ الخِرَقِيُّ بين اللُّغَتَيْنِ، فقال: إذا أمْسَكَ، وحُبِس الماسِك. وهو اسمُ الفاعلِ من مَسَكَ مُخَفَّفًا. ولا خِلافَ في أنَّ القاتِلَ يُقْتَلُ؛ لأنَّه قَتَلَ مَن يُكافِئُه عَمْدًا بغيرِ حَقٍّ, وأمَّا المُمْسِكُ، فإنْ لم يَعْلَمْ أنَّ القاتِلَ يَقْتُلُه، فلا شىءَ عليه؛ لأنَّه مُتَسَبِّبٌ، والقاتلُ مباشرٌ، فيسْقُطُ (١) حكمُ المُتَسَبِّبِ به. وإن أمْسَكَه له لِيَقْتُلَه، مثل أن ضَبَطَه له حتى ذَبَحَه (٢). فاخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ فيه عن أحمدَ؛ فرُوِىَ عنه أنَّه يُحْبَسُ حتى يَمُوتَ. وهذا قولُ عَطاءٍ، ورَبِيعةَ. ورُوِىَ ذلك عن عليٍّ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه يُقْتَلُ أيضًا. وهو قولُ مالكٍ. قال سليمانُ بن (٣) مُوسَى: الاجتماعُ فينا أن يُقْتَلَا (٤)؛ لأنَّه لو لم يُمْسِكْه، ما قَدَرَ على قَتْلِه، وبإمْساكِه تمَكَّنَ من قَتْلِه، فالقَتْلُ حاصِلٌ بفِعْلِهِما، فيكونان شَرِيكَيْنِ فيه، فيَجِبُ عليهما القِصاصُ، كما لو جَرَحَاه. وقال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: يُعَاقَبُ، ويَأْثَمُ، ولا يُقْتَلُ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللهِ، مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ" (٥). والمُمْسِكُ غيرُ قاتِلٍ، ولأنَّ الإِمْساكَ سَبَبٌ غيرُ مُلْجِئٍ، فإذا اجْتَمَعَتْ معه المُباشَرةُ،


(٧) تقدم في صفحة ٥٧٨.
(١) في م: "فسقط".
(٢) في م زيادة: "له".
(٣) في م زيادة: "أبي". وتقدم.
(٤) في م: "يقتل".
(٥) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ١٨٧، ٤/ ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>