للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ المجنونَ لا يَصِحُّ منه الاسْتِيفاءُ. ويُفارِقُ الوَدِيعةَ إذا أتْلَفها؛ لأنَّها تَلِفَتْ بغيرِ تَفْرِيطٍ، وليس لها بَدَلٌ إذا تَلِفَتْ بذلك، واليَدُ بخِلافِه، فإنَّها لو تَلِفَتْ بغيرِ تَفْرِيطٍ، كانتْ عليه دِيتُها، وكذلك الصغيرُ، وكذلك الحُكْمُ فيهما إذا قَتَلَا قاتِلَ أبِيهما عَمْدًا، وإن اقْتَصَّا من الجانِى ما لا تَحْمِلُه عاقِلَتُه، كما دُونَ الثُّلثِ، كقَطْعِ إصْبَعٍ ونحوِها، سَقَطَ حَقُّهُما؛ لأنَّ ذلك يَقْتَضِى الدِّيَةَ في ذِمَّتِهما، ولهما في ذِمَّةِ الجانِى مثلُ ذلك، فيتقاصَّان. وإن كانت دِيَتُهما مُخْتلِفةً، كالمسلمِ والذِّمِّىِّ، والرجلِ والمرأةِ، فإن قُلْنا: يكُونان مُسْتَوْفِيَيْنِ لحَقِّهِما بالقَطْعِ. لم يَبْقَ لهما حَقٌّ، كما لو أتْلَفَا وَدِيعَتَهُما. وإن قُلْنا: لا يكونان مُسْتَوْفِيَيْنِ. يُقاصُّ من الدِّيَتَيْنِ بقَدْرِ الأدْنَى منهما، ووَجَبَ الفَضْلُ للصَّبِىِّ والمجنونِ. وإن كانت الجنايةُ عليهما أو على وَلِيِّهما خطأً تحملُه العاقِلَةُ، فاسْتَوْفَيا القِصاصَ، لم يَسْقُطْ حَقُّهما، وَجْهًا واحدًا، وكانت دِيَةُ مَن اسْتَوْفَيَا منه على عاقِلَتِهما مُؤَجَّلةً، ودِيَةُ الجنايةِ عليهما أو على ولِيِّهما على عاقِلةِ الجانِى مُؤَجَّلَةً.

فصل: وسِرَايةُ القَوَدِ غيرُ مَضْمُونةٍ. ومعناه أنَّه إذا قَطَعَ طَرَفًا يجبُ القَوَدُ فيه، فاسْتَوْفَى منه المَجْنِىُّ عليه، ثم ماتَ الجانِى بسِرَايةِ الاسْتِيفاءِ، لم يَلْزَم المُسْتَوْفِىَ شيءٌ. وبهذا قال الحسنُ، وابن سِيرِينَ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، وابنُ المُنْذِرِ. ورُوِىَ ذلك عن أبي بكرٍ، وعمرَ، وعلىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنهم. وقال عَطاءٌ، وطاوسٌ، وعمرُو بن دِينار، والحارثُ العُكْلِىُّ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِيُّ وأبو حنيفةَ: عليه الضمانُ. قال (٢١) أبو حنيفةَ: عليه كمالُ الدِّيَةِ في مالِه. وقال غيرُه: هي على عاقِلَتِه؛ لأنَّه فَوَّتَ نَفْسَه، ولا يَسْتَحِقُّ إلَّا طَرَفَه، فلَزِمَتْه دِيَتُه، كما لو ضَرَبَ (٢٢) عُنُقَه، ولأنَّها سِرَايةُ قَطْعٍ مَضْمُونٍ، فكانت مَضْمُونةً، كسِرَايةِ الجِنايةِ، والدَّليلُ على أنَّه مَضْمونٌ، [أنه مضمونٌ] (٢٣) بالقَطْعِ الأوَّلِ؛ لأنَّه في


(٢١) في الأصل: "وقال".
(٢٢) سقط من: ب.
(٢٣) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>