للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعُدَتِ المسافةُ أو قرُبتْ. وبهذا قال الشَّافعىُّ. وقال أبو يوسفَ: إن كان يُمْكنُه أن يحْضُرَ ويَعُودَ فيَأْوِىَ إلى مَوْضِعِه، أحْضرَه، وإلَّا لم يُحْضِرْهُ، ويُوَجِّهُ (٣٦) مَن يحْكُم بينهما. وقيل: إن كانتِ المسافةُ دونَ مَسافةِ القَصْرِ، أحْضرَه، وإلَّا فلا. ولَنا، أنَّه لابُدَّ من فَصْلِ الخُصومةِ بين المُتخاصِمَيْنِ، فإذا لم يُمْكِنْ إلَّا بمَشقَّةٍ، فعلَ ذلك، كما لو امْتَنعَ مِن الحضورِ، فإنَّه يُؤَدَّبُ ويُعَزَّرُ، ولأنَّ إلْحاقَ المَشَقَّةِ به أولَى من إلْحاقِها بمَن يُنفِذُه الحاكمُ ليَحْكمَ بينهما. وإن كانتِ امْرأةً بَرْزَةً، لم يُشْترَطْ فى سَفرِها هذا مَحْرَمٌ. نصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه لِحَقِّ آدَمِىٍّ، وحَقُّ الآدَمِىِّ مَبْنِىٌّ على الشُّحِّ والضِّيقِ.

فصل: وإن اسْتَعْدَى على الحاكمِ المَعْزُولِ، لم يُعْدِه حتى يَعْرِفَ ما يدَّعِيه، فيسْألَه عنه، صيانةً للقاضى عن الامْتِهانِ. فإن ذكرَ أنَّه يدَّعى عليه حقًّا مِن دَينٍ أو غَصْبٍ، أعْداه عليه (٣٧)، وحكَمَ بينهما كغيرِ القاضي. وكذلك إن ادَّعَى أنَّه أخذَ منه رِشْوةً على الحُكْمِ؛ لأنَّ أخْذَ الرِّشوةِ عليه لا يجوزُ، فهى كالغَصْبِ. وإن ادَّعَى عليه الجَوْرَ فى الحُكْمِ، وكان للمدَّعِى بَيِّنَةٌ، أحْضرَه، وحكم بالبَيِّنَةِ، وإن لم يكُنْ معه بَيِّنَةٌ، ففيه وجْهان؛ أحدُهما، لا يُحْضِرُه؛ لأنَّ فى إحْضارِه وسُؤالِه امْتهانًا له؛ وأعداءُ القاضي كثير، وإذا فعلَ هذا معه، لم يُؤمَنْ ألَّا يَدْخُلَ فى القضاءِ أحدٌ، خَوْفًا من عاقِبَتِه. والثانى، يُحْضِرُه؛ لجوازِ أن يَعْتَرفَ، فإن حضرَ واعْتَرفَ، حَكمَ عليه، وإن أنْكَرَ، فالقولُ قولُه من غيرِ يَمِينٍ؛ لأنَّ قولَ القاضي مَقْبولٌ بعدَ العَزْلِ، كما يُقْبَلُ فى وِلايَتِه. وإن ادَّعَى عليه (٣٨) أنَّه قتل ابنَه ظُلْمًا، فهل يَسْتحْضِرُه من غيرِ بَيِّنَةٍ؟ فيه وَجْهان، فإن أحْضَره، فاعْتَرف، حكَمَ عليه، وإلَّا فالقولُ قولُه. وإن ادَّعى أنَّه أخْرجَ عَيْنًا مِن يَدِه بغيرِ حَقٍّ، فالقولُ قولُ الحاكمِ مِن غيرِ يَمِينٍ، ويُقْبَلُ قولُه للمَحْكومِ له بها، على ما سَنَذْكُره، إن شاء اللهُ تعالى.

فصل: وإن ادَّعَى على شاهِدَيْن أنَّهما شَهِدَا عليه زُورًا، أحْضرَهما، فإن اعْترَفا، أغْرَمَهما، وإن أنْكَرا، وللمُدَّعِى بَيِّنَةٌ على إقرارِهما بذلك، فأقامَها، لزِمَهما ذلك، وإن


(٣٦) فى م: "ويوجد" تحريف.
(٣٧) سقط من: ب، م.
(٣٨) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>