للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجُنونُ والإِغْماءُ فى معناه، بخلافِ الفِسْقِ والكُفْرِ.

١٩٠٧ - مسألة؛ قال: (وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ عَلَى شَهَادَةِ الْعَدْلِ جَائِزَةٌ فِى كُلِّ شَىْءٍ، إِلَّا فِى الْحُدُودِ، إِذَا كَانَ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا)

الكلامُ فى هذه المسألةِ فى فُصولٍ ثَلاثةٍ؛ أحدِها، فى جَوازها. والثَّانى، فى موضِعِها. والثالث، فى شَرْطِها.

أمَّا الأَوَّلُ: فإِنَّ الشَّهادةَ على الشَّهادةِ جائزةٌ، بإجْماعِ العلماءِ. وبه يقولُ مالكٌ، والشَّافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. قال أبو عُبَيْد: أجْمعَتِ العُلماءُ مِن أهلِ الحِجازِ والعِراقِ، على إمْضاءِ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ فى الأمْوالِ. ولأنَّ الحاجةَ داعِيَةٌ إليها، فإنَّها لو (١) لم تُقْبَلْ لَبطَلَتِ الشَّهادةُ على الوُقُوفِ (٢)، وما يَتأخَّرُ إثْباتُه عندَ الحاكمِ ثم يَمُوتُ شُهودُه، وفى ذلك ضَرَرٌ على الناسِ، ومَشقَّةٌ شَديدةٌ، فوَجبَ أن تُقْبَلَ، كشَهادةِ الأَصْلِ.

الفصل الثانى: أنَّها تُقْبَلُ فى الأموالِ، وما يُقْصَدُ به المالُ، بإجماعٍ، كما ذكرَ أبو عُبَيْدٍ، ولا تُقْبَلُ فى حَدٍّ. وهذا قولُ النَّخَعىِّ، والشَّعْبِىِّ، وأبى حَنيفةَ، وأصْحابِه. وقال مالكٌ، والشَّافعىُّ فى قولٍ، وأبو ثَوْرٍ: تُقْبَلُ فى الحُدودِ، وكلِّ حقٍّ؛ لأنَّ ذلك يَثْبُتُ بشَهادةِ الأَصْلِ، فيَثْبُتُ بالشَّهادةِ على الشَّهادةِ، كالمالِ. ولَنا، أَنَّ الحُدودَ مَبْنِيَّةٌ على السَّتْرِ، والدَّرْءِ بالشُّبُهاتِ، والإِسْقاطِ بالرُّجوعِ عن الإِقْرارِ، والشَّهادةُ على الشهادةِ فيها شُبْهَةٌ؛ فإنَّها يَتَطَرَّقُ إليها احْتمالُ الغَلَطِ والسَّهْوِ والكَذبِ فى شُهودِ الفَرْعِ، مع احْتمالِ ذلك فى شُهودِ (٣) الأصلِ، وهذا احْتمالٌ زائدٌ، لا يُوجَدُ فى شَهادةِ الأَصْلِ، وهو مُعْتبَرٌ، بدَليلِ أنَّها لا تُقْبَلُ مع القُدرَةِ على شُهودِ الأَصْلِ، فوجَبَ أن لا تُقْبَلَ فيما يَنْدرِئُ بالشُّبُهاتِ، ولأنَّها إنَّما تُقْبَلُ للحاجَةِ، ولا حاجةَ إليها فى الحَدِّ؛ لأنَّ سَتْرَ صاحبِه أوْلَى مِن الشَّهادةِ عليه، ولأنَّه لا نَصَّ فيها، ولا يَصِحُّ قياسُها على الأمْوالِ؛ لما بينَهما من الفَرْقِ


(١) سقط من: ب، م.
(٢) فى ب: "الموقف". وفى م: "الوقف".
(٣) فى م: "جهود". تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>