للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: إذا تَعَدَّى المُضَارِبُ، وفَعَلَ ما ليس له فِعْلُه، أو اشْتَرَى شيئا نُهِىَ عن شِرَائِه، فهو ضامِنٌ للمالِ، في قولِ أكْثَر أهْلِ العِلْمِ. رُوِىَ ذلك عن أبي هُرَيْرَةَ، وحَكِيمِ بن حِزَامٍ، وأبى قِلَابةَ، ونَافِعٍ، وإياسٍ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، والحَكَمِ، وحَمَّادٍ، ومالِكٍ، والشّافِعِىِّ، وإسحاقَ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ. وعن عَلِىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه: لا ضَمَانَ على مَن شُورِكَ في الرِّبْحِ. ورُوِىَ مَعْنَى ذلك عن الحَسَنِ والزُّهْرِىِّ. ولَنا، أنَّه مُتَصَرِّفٌ في مالِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كالغاصِبِ. ولا نقولُ بمُشَارَكَتِه في الرِّبْحِ، فلا يَتَنَاوَلُه قولُ عَلِىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه. ومتى اشْتَرَى ما لم يُؤْذَنْ له (١٤) فيه، فرَبِحَ فيه، فالرِّبْحُ لِرَبِّ المالِ، نَصّ عليه أحمدُ. وبه قال أبو قِلَابَةَ، ونافِعٌ. وعن أحمدَ، أنَّهما يَتَصَدَّقانِ بالرِّبْحِ. وبه قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ. قال القاضي: قول أحمدَ: يَتَصَدَّقانِ بالرِّبْحِ. على سَبِيلِ الوَرَعِ، وهو لِرَبِّ المالِ في القَضَاءِ. وهذا قولُ الأَوْزَاعِىِّ. وقال إِياسُ بن مُعاوِيَةَ، ومالِكٌ: الرِّبْحُ على ما شَرَطَاهُ؛ لأنَّه نَوْعُ تَعَدٍّ، فلا يَمْنَعُ كَوْنَ الرِّبْحِ بينهما على ما شَرَطاهُ، كما لو لَبِسَ الثَّوْبَ، أو رَكِبَ (١٥) دَابَّةً ليس له رُكُوبُها. وقال القاضي: إذا اشْتَرَى في الذِّمَّةِ، ثم نَقَدَ المالَ، فالرِّبْحُ لِرَبِّ المالِ. وإن اشْتَرَى بعَيْنِ المالِ، فالشِّرَاءُ باطِلٌ، في إحْدَى الرَّوَايَتَيْنِ. والأُخْرَى هو (١٦) مَوْقُوفٌ على إِجَازَةِ المالِكِ، فإن أجَازَهُ، صَحَّ، وإلَّا بَطَلَ. والمذهبُ الأَوَّلُ، نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ الأَثْرَمِ. وقال أبو بكرٍ: لم يَرْوِ أنَّه يَتَصَدَّقُ بالرِّبْحِ إلَّا حَنْبَلٌ. واحْتَجَّ أحمدُ بحَدِيثِ عُرْوَةَ البارِقِىِّ، وهو ما رَوَى أبو لَبِيدٍ، عن عُرْوَة بن الجَعْدِ، قال: عَرَضَ للنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَلَبٌ، فأَعْطَانِى دِينَارًا، فقال: "عُرْوَةُ، إئْتِ الْجَلَبَ، فَاشْتَرِ لَنَا شَاةً". فأَتَيْتُ الْجَلَبَ، فساوَمْتُ صَاحِبَه، فاشْتَرَيْتُ شَاتَيْنِ بدِينارٍ، فجِئْتُ أَسُوقُهما أو أقُودُهما، فلَقِيَنِى رَجُلٌ بالطَّرِيقِ، فسَاوَمَنِى، فبِعْتُ منه (١٧) شَاةً بالدِّينارِ، فجِئْتُ بالدِّينارِ وبالشاةِ، فقلتُ: يا رسولَ


(١٤) سقط من: الأصل، أ، م.
(١٥) في أ، ب، م: "وركب".
(١٦) سقط من: ب.
(١٧) في ب، م: "منهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>