للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقْتُلُه، أو حَدِيدَةٍ ثِقيلَةٍ، ضَمِنَه بالقِصاصِ؛ لأنَّه إنَّما له ما يَقْلَعُ به العَيْنَ المُبْصِرةَ، التي حَصَلَ الأَذَى منها، دونَ ما يتعدَّى إلى غيرِها، فإن لم يَنْدَفِعِ المُطَّلِعُ بِرَمْيِه بالشَّىءِ اليَسيرِ، جازَ رَمْيُه بأكْثَرَ منه، حتى يأْتِىَ ذلك على نَفْسِه. وسَوَاءٌ كان النَّاظِرُ في الطَّريقِ، أو مِلْكِ نفسِه، أو غيرِ ذلك.

١٦١٢ - مسألة؛ قال: (وَمَا أفْسَدَتِ الْبَهَائِمُ بِاللَّيلِ مِنَ الزَّرْعِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى أَهْلِهَا، ومَا أَفْسَدَتْ مِنْ ذلِكَ نَهَارًا، لَمْ يَضْمَنُوهُ)

يعني إذا لم تكُنْ يَدُ أحَدٍ عليها، فإن كان صاحِبُها معها أو غيرُه، فعلى من يَدُه عليها ضَمانُ ما أتْلَفَتْهُ؛ من نَفْسٍ، أو مالٍ. ونذْكُر ذلك في المسألةِ التي تَلِى هذه. وإن لم تَكُنْ يدُ أحدٍ عليها، فعلى مالِكِها ضَمانُ ما أَفْسَدَتْه مِن الزَّرْعِ، ليلًا دونَ النَّهارِ. وهذا قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأكْثرِ فُقَهاءِ الحجازِ. وقال اللَّيْثُ: يَضْمَنُ مالِكُها ما أَفْسَدَتْه لَيْلًا ونَهارًا بأَقَلِّ الأَمْرَيْن؛ من قيمَتِها، أو قَدْرِ ما أَتْلَفَتْه، كالعَبْدِ إذا جَنَى. وقال أبو حنيفةَ: لا ضَمانَ عليه بحالٍ؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "العَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ" (١). يعني هَدْرًا. ولأنَّها أفْسَدَتْ وليستْ يدُه عليها، فلم يَلْزَمْه الضَّمَانُ. كما لو كان نهارًا، أو كما لو أَتْلَفَتْ غيرَ الزَّرْعِ. وَلنا، ما رَوَى مالِكٌ، عن الزُّهْرِىِّ، عن حَرَامٍ بنِ سَعْدِ بن مُحَيِّصَةَ، أنَّ ناقةً للْبَراءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ، فأفْسَدتْ, فَقَضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّ على أهلِ الأمْوالِ حِفْظَها بالنَّهارِ، وما أفْسَدَتْ بالليلِ، فهو مَضْمُونٌ عليهم (٢). قال ابنُ عبدِ البرِّ: إن كان هذا مُرْسلًا، فهو مشهورٌ حَدَّثَ به الأئمةُ الثِّقَاتُ، وتلقَّاه فُقَهاءُ الحجازِ بالقَبُولِ. ولأنَّ العادةَ من أهلِ الْمَواشِى إرْسالُها. في النَّهَارِ للرَّعْىِ، وحِفْظُها


(١) تقدم تخريجه، في: ٤/ ٢٣١، ٢٣٢.
(٢) أخرجه الإِمام مالك، في: باب القضاء في الضوارى والحريسة، من كتاب الأقضية. الموطأ ٢/ ٧٤٧، ٧٤٨.
كما أخرجه أبو داود، في: باب المواشى تفسد زرع القوم، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦٧. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٤٣٥، ٤٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>